10.12.2024
في عالمٍ تتبدّلُ أحوالهُ بسرعةٍ شديدة، ويواجه أزماتٍ متزايدة تضعُنا جميعًا أمام مسؤولياتنا الإنسانية، يبرز يوم التضامن الإنساني كمنارةٍ ومصباح، لتذكّرنا بأهمية أن يكونَ الناسُ يدًا واحدة في مواجهة الجوع والظلم والعوَز.
فهو يومٌ يسلط الضوء على القيم النبيلة التي تربطنا كبشر، مهما اختلفت ثقافاتنا وأدياننا وأعراقنا. ويُعد هذا اليوم (20 كانون الأول/ديسمبر) دعوة ملحّة للجميع للتفكير والعمل من أجل عالم أكثر ترابطًا، ونشر الوعي بأهمية التضامن، حيث يصبح العطاء والرحمة والتكاتف لغة مشتركة بين جميع البشر. ويكون صون الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية هو الهدف الأسمى لكل فردٍ ومجتمع.
مفهوم التضامن الإنساني
حين تعرفُ أن لك أخًا لا يجدُ ما يسدُّ جوعه وجوع أطفاله، في مكانٍ قد يبعُد عنك آلاف الكيلومترات ومع ذلك فإنك تكادُ تسمعُ قرقرة أمعاء صغاره وأنت أمام مائدتك وتشعُر في أعماقك بوجوب إطعامه. وحين تسمعُ أنّ هناك أُسرٌ لم تعُد تعرفُ معنىً للدفء، ولا تجدُ سقفًا يستُرُ خوفهم وبريدهم، فتكادُ تسري في جسدك رعشةُ البردِ وأنت في سريرك الدافيء وتعلمُ في قرارة نفسك حتمية مساعدة هؤلاء بالكسوة والسقف والدفء لأن المأوى حقٌّ لنا جميعًا. هذا هو التضامن الإنساني. شعورٌ عميقٌ يُترجمُ إلى أفعالٍ تشدُّ من قوة نسيجنا الإنساني الواحد.
في كل مرة نمدُّ يد العون لمحتاج، فإننا نتجاوزُ حدودَ الفردانية ونخرجُ من فقاعة التمركز حول الذات، ونبني جسورًا من الترابط والدعم بين المجتمعات. سواءٌ كان ذلك عن طريق مشروعات التنمية المستدامة، أو دعم اللاجئين، أو توفير الغذاء للمحتاجين، أو بناء مدارس للأطفال في المناطق النائية، أو الإسهام في توصيل حق المأوى، أو العلاج، أو شربة ماءٍ نظيفة لمن يحتاجها. فإن كل فعل تضامن، يكونُ خطوةً في سبيل مواجهة التفاوت، ويسهم في تقليص الفجوة بين الحلم بعالمٍ متكافلٍ رحيم وسعيد وبين الواقع الذي نعيشه بكل تحدياته.
حقائق مثيرة عن العمل الإنساني
قصص تلهمنا في يوم التضامن الإنساني
في إحدى القرى النائية في إفريقيا، هناك أم تعاني فقدان كل مقومات الحياة الأساسية لأطفالها. ومع ذلك فإنّ أول ما فعلتهُ عند وصول قافلة المساعدات الإنسانية إلى قريتها، هو مشاركة الطعام مع جيرانها. هذه اللفتة التلقائية تُبرز جوهر التضامن الإنساني الحقيقي، حيث يصبح المحتاجُ نفسه رمزًا ومثالًا يُحتذى في العطاء.
في غزة، وبعد أكثر من عامٍ من المعاناة تحت وطأة الدمار، نجد شبانًا وشابات يتطوعونَ لتوزيع المساعدات أو تحضير الطعام في المناطق الأكثر تضررًا، غير عابئينَ بالمخاطر التي تحدق بهم من كل اتجاه. هؤلاء الأبطال يثبتون أن التضامن ليس مجرد فكرة، بل هو عمل يومي يعبّرُ عن إنسانيتنا العميقة، ومدى ارتباطِ الإنسان السوي بسلامة وكرامة غيرهِ من البشر.
كيف نشارك في يوم التضامن الإنساني؟
رسالة أمل
يوم التضامن الإنساني هو أكثر من مجرد تاريخ على التقويم؛ إنه نداء لكل إنسان يحمل في قلبه فطرة اللطف والتراحم. وتذكيرٌ بأننا قادرونَ دائمًا على إحداث فرق، مهما كان بسيطًا. قد يكونُ العالمُ من حولنا مليئًا بالتحديات، والنزاعات والصراعات العنيفة، وكُل ما يمكن أن يُفقدنا الأمل في الإنسانية، لكنه مليءٌ أيضًا بالفرص التي تتيح لنا أن نكون جزءًا من التغيير الإيجابي ونشرِ أشعة الأمل وسطَ الظُّلمة، بألا نقفَ مكتوفي الأيدي أمام معاناةِ الضعفاء.
في هذا اليوم، دعونا نُجدّدُ تعهّدنا والتزامنا العميق تجاه الإنسانية، ونُدرك بوعيٍ أن التضامن هو مفتاحنا لمستقبلٍ أكثر عدلًا وكرامةً ورحمةً مما نعيشه، حيث لا يُترَكُ أحدٌ منبوذًا أو وحيدًا ومهمّشًا خلف الرّكب.