28 ديسمبر 2025
ليس الزمن في ميزان الله سواء، فكما اختار الله من البشر رسلًا، ومن الأماكن بقاعًا مباركة، اختار من الشهور شهرًا جعله سيّد الأيام وموسمًا للنفحات والرحمات. شهر رمضان رحلة إيمانية سنوية متكاملة،يعيدُ فيها الإنسان ترتيب نفسه من الداخل؛ فيجوع الجسد ليصحُو القلب، وتسكن الشهوة ليقوى الإيمان، وتُفتح أبواب السماء ليعود العبد إلى ربّه بقلبٍ سليم.
في رمضان تتغيّر ملامح الحياة كلها؛ تتباطأ الخطوات لتفسح المجال للتأمل، وتلين القلوب بعد قسوة، ويُمنح الإنسان فرصة جديدة لمراجعة نفسه وترميم ما انكسر في علاقته مع الله. ولذلك لم يكن تفضيل هذا الشهر على سائر الشهور إلا اختيارًا إلهيًا قائمًا على حكمة عظيمة، جمع الله فيه أجلَّ العبادات، وربط به أعظم كتاب، وجعل لياليه ساحات مغفرة، وأيامه ميادين صبرٍ وتزكية.
فما سر هذا الفضل؟ ولماذا اختصّ الله رمضان بكل هذه المنزلة؟
ما هو شهر رمضان؟ تعريف شهر رمضان
شهر رمضان هو الشهر الذي ارتبط اسمه في القرآن الكريم بأعظم حدث في تاريخ البشرية: نزول الوحي بالقرآن الكريم، قال تعالى:
﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: 185]
، فكان
رمضان بوابة النور التي خرج بها الإنسان من ظلمات الغفلة إلى هداية الله.
وفي هذا الشهر، لم يفرض الله الصيام عبثًا، بل جعله طريقًا مباشرًا إلى التقوى، فقال سبحانه:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183].
فالصيام في حقيقته عبادة تُهذّب النفس، وتُدرّب القلب على المراقبة، وتحرّر الإنسان من هيمنة الشهوة، ليعود إلى فطرته الأولى التي قال الله فيها:
﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ [الشمس: 7–8].
وقد سمّي رمضان من الرمضاء، أي شدة الحر، وقيل لأن الذنوب تُحرق فيه بكثرة الطاعات، وتُبدَّل السيئات حسنات، مصداقًا لقوله تعالى:
﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود: 114].
فهو شهر تتنقّى فيه القلوب، وتُفتح فيه أبواب السماء، ويُهيَّأ فيه المسلم ليكون أقرب إلى ربه، وأصدق مع نفسه.
ما هي أهم فضائل شهر رمضان؟
لماذا فضل الله شهر رمضان على باقي الشهور؟ سؤال يحمل في جوابه معاني عظيمة، فقد جمع الله في هذا الشهر من الخصائص والمزايا ما لم يجتمع في غيره:
1. نزول القرآن الكريم
قال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: 185]. وهذا وحده كافٍ لرفع مكانة الشهر، إذ ارتبط بأعظم رسالة سماوية.
2. فرض الصيام
فضل صيام شهر رمضان عظيم؛ فهو عبادة سرية بين العبد وربه، قال النبي ﷺ مُحدّثًا عن ربه: «كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به» (متفق عليه).
3. ليلة القدر
ليلة واحدة في رمضان خيرٌ من ألف شهر، قال تعالى: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ [القدر: 3].
4. تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار
قال ﷺ: «إذا جاء رمضان فُتِّحت أبواب الجنة، وغُلِّقت أبواب النار، وصُفِّدت الشياطين» (متفق عليه).
ماذا قال النبي عن شهر رمضان؟ أحاديث عن فضل شهر رمضان
وردت أحاديث عن فضل شهر رمضان تؤكد مكانته العظيمة، منها:
هذه الأحاديث النبوية تبيّن أن رمضان ليس شهر مشقة، بل شهر مغفرة ورحمة وكرم إلهي واسع.
قصص عن فضل شهر رمضان
تحفل السيرة والتاريخ بـ قصص عن فضل شهر رمضان، تظهر أثره في تغيير النفوس:
ما هي فوائد شهر رمضان المبارك؟
لا يقتصر فضل رمضان على الأجر الأخروي فقط، بل له فوائد عظيمة على الإنسان بشكل عام:
1. تزكية النفس: الصيام يعلّم الصبر وضبط الشهوات.
2. التقوى: وهو الهدف الأسمى من الصيام.
3. تقوية الروابط الاجتماعية: بالإفطار الجماعي، والصدقات، وصلة الرحم.
4. الإحساس بالمستضعفين: حين يجوع الغني فيشعر بآلام الفقراء، فيبادر
بالعطاء.
وهنا يتجلى البعد الإنساني لرمضان، حيث تتحول العبادة إلى فعل رحمة وتكافل.
أعمال الرسول في شهر رمضان
كان النبي ﷺ قدوةً في اغتنام رمضان، ومن أعمال الرسول في شهر رمضان:
خلاصة: لماذا فضله الله؟
إن فضل شهر رمضان نابع من اجتماع أعظم العبادات فيه: الصيام، والقرآن، والقيام، والصدقة، والتوبة. فهو شهر فتح الأبواب للتوبة والعودة، وشهر الرجوع لا الحرمان. ومن رحمة الله بنا أن جعل هذا الموسم يتكرر كل عام، ليمنحنا فرصة جديدة مهما ثقلت الذنوب.
فطوبى لمن أدرك رمضان بقلب حاضر، وعمل صادق، ونية خالصة… وجعل منه بداية طريق، لا محطة عابرة.