05 ديسمبر 2025
تظل عمرة رمضان من أعظم المواسم والعبادات التي يشتاق إليها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، ليس فقط لفضل العمرة في ذاتها، ولكن لأنها تجتمع مع قدسية الشهر الكريم، فتتضاعف فيها أجورُ الطاعات وتصفو الأرواح وتخِفُّ أثقال الهموم. وقد ورد في الصحيحين قول النبي ﷺ لامرأة من الأنصار: «فإن عمرة في رمضان تعدل حجة»، وهو حديث يجمع فيه النبي بين فضيلة العمرة وفضيلة الشهر الكريم، فيشير إلى أنّ ثوابها يُعادل ثواب الحج وإن كانت لا تُغني عنه ولا تسقط فريضته.
إن السر في هذا الفضل يعود إلى اجتماع عبادات عديدة في رمضان: الصيام، وقيام الليل، وتلاوة القرآن، والصدقة، والدعاء، ليعيش المعتمر أيام من القُرب إلى الله ربما لا تتكرر كثيرًا في العام. فالقلوب في هذا الشهر أرقّ، والدعاء أقرب للإجابة، واليقين يتجدد مع كل خطوة يخطوها المسلم نحو البيت الحرام. ولهذا كانت عمرة رمضان موسماً يحرص عليه الكثيرون لتعويض ما فاتهم من قربات، واستقبال ما تبقى من العام بقلب مطمئن وعامرٌ بنورِ الطاعة.
نصائح للاستعداد للعمرة في رمضان
الاستعداد للعمرة في رمضان يبدأ من نية الإنسان قبل عمله. فالمسلم الذي يستحضر نية القرب إلى الله يجد أن رحلته تبدأ من لحظة اتخاذ القرار، لا من لحظة الإحرام. ومن أجمل ما يُعين على ذلك أن يتفرغ المرء قليلًا لمراجعة علاقته بالله، ولتنقية قلبه من الأضغان والمعاصي، وإخلاص نية صادقة: «اللهم إني نويت العمرة خالصة لوجهك الكريم». ليأتي بين يدي ربه بقلبٍ سليم.
من الناحية البدنية، يحتاج المعتمر إلى بعض الاستعداد لأن العمرة في رمضان قد تتزامن مع الصيام والازدحام ودرجات الحرارة العالية. ولذلك فإن الحرص على النوم الكافي ليلًا ضروري، وشرب السوائل بعد الإفطار ووقت السحور، وارتداء حذاء مريح يساعد على قطع مسافات الطواف والسعي. كما يُستحسن استشارة الطبيب لمن يعاني من أمراض مزمنة كالضغط والسكر ومشكلات المفاصل والعضلات، كي يؤدي المناسك بسهولة وطمأنينة.
أما الاستعداد العملي فيشمل التأكد من الأوراق الرسمية، ومعرفة نوع السكن وبعده عن الحرم، وتحديد الأوقات المناسبة لأداء المناسك بعيدًا عن أوقات الذروة قدر الإمكان. ويُفضَّل حمل حقيبة صغيرة أثناء السعي تحتوي على قارورة ماء وسجادة خفيفة ومصحف صغير، لتيسير العبادة دون مشقة.
مناسك عمرة رمضان
تبدأ العمرة من لحظة الدخول في الإحرام عند الوصول إلى الميقات، حيث يغتسل المسلم ويتطيب إن كان رجلًا قبل الإحرام، ثم يلبي بقوله: «لبيك اللهم عمرة». ومنذ تلك اللحظة يصبح في ضيافة الله، محافظًا على هيئته وسكينته، متوجهًا بقلبه قبل جسده نحو المسجد الحرام.
وعند الوصول إلى مكة والدخول إلى الحرم، تفيض المشاعر، ويبدأ الطواف حول البيت سبعة أشواط بدءًا من الحجر الأسود. وفي هذا المقام تلهجُ الألسنة بالدعاء والاستغفار وذكر الله، دون التزام دعاء محدد. وبعد الانتهاء من الطواف، يصلي المعتمر ركعتين خلف مقام إبراهيم، ثم يشرب من ماء زمزم، مستحضرًا قول النبي ﷺ: «ماء زمزم لما شُرب له».
ثم ينتقل إلى السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط، مستحضرًا قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ﴾. وهناك تتجدد لحظات التضرع والتقرب إلى الله، حيث يرفع المسلم دعواته لنفسه وأهله وأمته وأحبابه، ويسأل الله الفرج للمستضعفين في غزة وسوريا واليمن والسودان وسائر بلاد المسلمين.
ويُختتم النسك بالحلق أو التقصير؛ فيُفضل الرجال الحلق ما استطاعوا، بينما تكتفي النساء بقص قدر أُنملة من أطراف الشعر. ومن بعدها يتحلّل المعتمر من الإحرام.
أسعار عمرة رمضان
تتفاوت أسعار عمرة رمضان تبعًا لمجموعة من العوامل، أهمها مستوى السكن، ونوع الطيران، والمسافة حسب البلد الذي يتوجّهُ منه المعتمر، ومدى قرب الفندق من الحرم، وتاريخ السفر سواء في بداية الشهر أو نصفه أو العشر الأواخر. ويُلاحظ دائمًا ارتفاع الأسعار في شهر رمضان مقارنةً ببقية العام بنسبة قد تصل إلى 30–50%، بسبب الإقبال الكبير في هذا الموسم، وارتفاع تكاليف التشغيل.
كما يُعد الحجز المبكر من أهم أسباب تخفيض التكلفة، خصوصًا للعائلات وكبار السن، حيث تزداد الأسعار مع الاقتراب من العشر الأواخر. وتُعد هذه الفترة الأغلى خلال العام نظرًا لرغبة كثيرين في الجمع بين العمرة والاعتكاف وقيام ليلة القدر.
هل عمرة رمضان تعدل حجة؟
أوضح العلماء أن قوله ﷺ: «عمرة في رمضان تعدل حجة» يعني أنها تعادلها في الأجر والثواب لا في إسقاط الفريضة. فلا تُغني عن حجّة الإسلام لمن استطاع إليه سبيلًا، ولا تُعد بديلاً عنها، لكنها تُكتب لصاحبها أجرًا يعادل أجر الحاج من حيث الثواب، لا من حيث الحكم الشرعي.
ويؤكد هذا المعنى أن النبي ﷺ لم يقل «تجزئ عن الحج» بل قال «تعدل حجة»، مما يدل على أن الله يضاعف الأجر لعبده في هذا الموسم المبارك، وأن الرحمة تتسع لمن أخلص النية وصدق التوجه.
أما الاستعداد العملي فيشمل التأكد من الأوراق الرسمية، ومعرفة نوع السكن وبعده عن الحرم، وتحديد الأوقات المناسبة لأداء المناسك بعيدًا عن أوقات الذروة قدر الإمكان. ويُفضَّل حمل حقيبة صغيرة أثناء السعي تحتوي على قارورة ماء وسجادة خفيفة ومصحف صغير، لتيسير العبادة دون مشقة.
ماذا قال الرسول عن العمرة في رمضان؟
جاء في السنة عبارات عديدة تُبيّن فضل العمرة، ومن أبرزها:
كل هذه الأحاديث تجعل المسلم يتشوق إلى هذا النسك الكريم، ويستشعر عظمته وأثره في حياته وسلوكه
كم عدد أيام عمرة رمضان؟
تختلف مدة عمرة رمضان بحسب البرنامج الذي يختاره المعتمر، فهناك برامج لا تتجاوز ثلاثة أيام، وأخرى تمتد أسبوعًا كاملًا، وبعضها يتجاوز ذلك لمن يرغب في الاعتكاف أو تحيّن ليلة القدر. وتبقى المدة المثالية هي تلك التي تسمح للمعتمر بأداء المناسك براحة دون استعجال، وتُتيح له بعض الوقت لقيام الليل والتعبد في أجواء رمضان الخاصة.
عمرة العشر الأواخر من رمضان
تمثل عمرة العشر الأواخر ذروة الروحانية في الشهر الكريم، فهي الأيام التي يتحرى فيها المسلم ليلة القدر، وفيها تتنزل الرحمات ويزداد الإقبال على الطاعة. ومن يؤدي العمرة في هذه الفترة يجمع بين فضل العمرة وفضيلة حضور هذه الليالي المباركة داخل الحرم.
لكن يجب التنبه إلى أن الزحام يكون شديدًا في هذه الأيام، وأن الأسعار عادةً تكون الأعلى خلال العام كله. لذلك يتطلب الأمر تخطيطًا مبكرًا واستعدادًا بدنيًا مناسبًا، حتى يخرج المعتمر بأكبر قدرٍ من السكينة والطمأنينة.
الخاتمة
عمرة رمضان هي تجديدٌ للعهد مع الله، وفرصة لرفع الدعاء بين يديه من أطهر البقاع وفي أعظم أوقات العام. وهي نافذة أمل يتقرب فيها الناس إلى الله بقلوب خاشعة وألسنة ذاكرة، يسألونه المغفرة والرحمة، والفرج للمستضعفين في كل مكان.
إن استطاع المسلم إليها سبيلًا فلا يفرّط فيها، فهي هديةٌ ربانية لا تُعوض.