21 ديسمبر 2025
قيام الليل نافذة يفتحها الله لعباده ليقتربوا منه في ساعات السكون، حيث يصفو القلب وتخشع الجوارح، ويجد المؤمن لذة المناجاة التي لا تُشبهها لذّة. وقد أثنى الله تعالى على هذه العبادة فقال:
﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾ [الإسراء: 79]، ووصف عباده الصالحين بقوله:
﴿كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾ [الذاريات: 17].
وفي السنة، قال النبي ﷺ:
«أفضلُ الصلاةِ بعد المكتوبةِ صلاةُ الليلِ» (رواه مسلم).
إنها عبادة تفتح للإنسان بابًا من الرحمة، وتملأ قلبه نورًا، وتُعيد ترتيب روحه كما يعيد الفجر ترتيب النور في صفحة السماء.
وفي هذا الدليل العملي، نرافقك خطوة بخطوة لتتعلّم كيفية صلاة قيام الليل بالتفصيل: عدد ركعاتها، وطريقة أدائها، وما يُقال فيها من ذكر ودعاء، ووقتها الأفضل، وكيفية صلاة الوتر، إضافة إلى بيان الفرق بين قيام الليل والتهجد والتراويح. ستجد هنا كل ما تحتاجه لتبدأ رحلتك مع هذه العبادة العظيمة بثقة وطمأنينة، ولتجعل من ليلك نورًا يقرّبك إلى الله ويُزكّي قلبك.
كم ركعة صلاة قيام الليل؟
لا يرتبط قيام الليل بعدد محدد من الركعات؛ فهو من العبادات التي فتح الله فيها الباب واسعًا لعباده ليصلّوا ما تيسّر لهم. والحدّ الأدنى في قيام الليل ركعتان فقط، ومن زاد فإنما يزيد في الخير والأجر.
وقد دلّت السنة على أن النبي ﷺ كان غالبًا يصلّي إحدى عشرة ركعة، وأحيانًا ثلاث عشرة ركعة، لكنها لم تكن حدًا إلزاميًا، بل كانت فعلاً اختاره ﷺ لنفسه.
جاء في الحديث الصحيح: «صلاةُ الليلِ مثنى مثنى»(متفق عليه) أي تُصلّى ركعتين ركعتين، وهذا يمنح المصلّي مرونة في الزيادة والنقصان بحسب طاقته. إذن فالقاعدة واضحة:
كيفية صلاة قيام الليل بالتفصيل
تبدأ صلاة قيام الليل بخطوات بسيطة. وأول ما يحتاجه المؤمن هو النية الصادقة؛ يكفي أن يعقد القلب على أداء هذه العبادة دون اللفظ باللسان. ثم يبدأ بالصلاة ركعتين ركعتين، كما أرشد النبي ﷺ.
كيفية أداء كل ركعتين في قيام الليل:
1. تكبيرة الإحرام واستحضار القلب.
2. قراءة الفاتحة.
3. قراءة ما تيسّر من القرآن؛ قليلًا كان أو كثيرًا.
4. الركوع بخشوع.
5. السجود مطولًا، فهو أعمق لحظات المناجاة.
6. الجلوس بين السجدتين، مع الدعاء
7. السجود الثاني.
8. التشهّد والتسليم بعد كل ركعتين.
وبعد الانتهاء من كل ركعتين، يُستحب أن يتوقف المصلّي قليلًا للدعاء والاستغفار قبل متابعة الصلاة، دون وجود ذكر محدّد. إنها لحظة راحة للقلب قبل متابعة الطريق.
ما هو الدعاء المناسب أثناء القيام؟
قيام الليل هو لحظة الدعاء الصادق، يدعو فيه المسلم بما يشاء، والخيرُ في اتباع السنة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال: «اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد لك ملك السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت الحق ووعدك حق ولقاؤك حق وقولك حق والجنة حق والنار حق لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت أو لا إله غيرك ولا حول ولا قوة إلا بالله.»
وقت صلاة قيام الليل
يمتد وقت قيام الليل من بعد صلاة العشاء مباشرة وحتى طلوع الفجر، وهو وقت واسع يناسب ظروف كل مسلم. لكن السنة دلّت على أن بعض الأوقات أرجح وأعظم أجرًا من غيرها.
أفضل أوقات قيام الليل:
1. الثلث الأخير من الليل
وهو أفضل أوقات الليل وأقربها لإجابة الدعاء؛ الوقت الذي يتنزّل فيه ربّنا سبحانه نزولًا يليق بجلاله فيقول:
«هل من داعٍ فأستجيب له؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟»
2. منتصف الليل وما بعده
وهو وقت التهجد الذي كان النبي ﷺ يحرص عليه، إذ يجتمع فيه هدوء القلب وسكون الكون، فيكون المرء أقرب للخشوع والتدبّر.
ومع ذلك…
فإن لم يستطع المسلم الاستيقاظ آخر الليل، فله أن يصلّي قيام الليل قبل نومه، ويُكتب له أجر القيام. فالله لا يكلّف نفسًا إلا وسعها، والخير في المحافظة لا في المشقة.
ماذا يقرأ في صلاة قيام الليل؟
لم يحدّد الشرع سورًا معيّنة لقيام الليل، بل جعل القراءة فيه بما تيسر، تُفتح فيها أبواب السماء لمن يطيق الإطالة ولمن يكتفي بالقليل. ولكن السنة دلّت على أن الأفضل أن يقرأ المسلم بما يتدبّره قلبه ويخشع له وجدانه.
للمعتادين على الإطالة:
كان النبي ﷺ يقرأ بالـ"سبع الطوال" أحيانًا، ويقوم بالبقرة وآل عمران والنساء، وقد يقوم بالآية الواحدة فيكررها طوال الليل، كما في قوله ﷺ حين بات يُردد: ﴿إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ﴾.
لمن يجد صعوبة في الإطالة أو يبدأ حديثًا مع القيام:
فليقرأ بما تيسر له من قصار السور، مثل:
الإخلاص، الفلق، الناس، الزلزلة، القدر، العصر.
فالغاية ليست في طول القراءة، بل في حضور القلب، وليزِد بالتدريج بما يستطيع.
القاعدة الذهبية:
اقرأ ما يحرّك إيمانك،
وما يجعلك أقرب إلى الله،
فكل آية تقرؤها في الليل تُضيء قلبك كما يضيء القمر سماء الليل.
وقت القيام بالدعاء خلال قيام الليل
بعد الانتهاء من كل ركعتين في قيام الليل، يُستحب للمصلّي أن يستريح لحظات قبل متابعة الركعات التالية، وهذا ما عُرف عند بعض السلف بـ جلسة الاستراحة.
وليس لهذه الجلسة ذكرٌ محدد أو صيغة إلزامية، بل هي مساحة مفتوحة بين يدي الله يدعو فيها العبد بما شاء.
ما الذي يمكن قوله في هذه اللحظات؟
أو الدعاء بأي حاجةٍ من حوائج الدنيا والآخرة.
إنها لحظات قصيرة… لكنها تُنعش القلب وتمنحه طاقة روحية ليكمل الطريق.
فالقيام ليس سباقًا في الركعات، بل رحلة خشوع وطمأنينة تتخللها وقفات يملؤها الذكر والدعاء.
دعاء قيام الليل
قيام الليل هو ميدان الدعاء الواسع، وساعة الصفاء التي تُرفع فيها الأكف إلى السماء وتتجلى فيها رحمات الله على عباده. فالدعاء في هذا الوقت مناجاة صادقة تتفتح لها أبواب الاستجابة.
من أجمل أدعية النبي ﷺ في قيام الليل:
الدعاء النبوي الجامع:
«اللهم لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن… اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت…»
وهو من أعظم الأدعية التي كان يفتتح بها ﷺ قيامه.
أدعية يُستحب قولها في السجود:
لماذا الدعاء في الليل أقرب للإجابة؟
لأنه وقت الخلوة مع الله، ولأن القلب فيه يكون أصفى، والنفس أهدأ، والعبد أصدق في طلبه. لذلك قال ﷺ:
«أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد».
في قيام الليل، لا توجد صيغة إلزامية، فكل ما يخرج من قلبك يصل إلى رب كريم لا يردّ السائلين.
فضل صلاة قيام الليل
فضل قيام الليل من أعظم الفضائل التي ترفع مقام العبد عند ربه، فهي عبادة اختصت بقلوبٍ حيّة لا ترضى أن يُغلق الليل أبوابه دون أن تقف بين يدي الله. يكفي أن القرآن أثنى على أهلها، فقال سبحانه:
﴿تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ [السجدة: 16]،
من أعظم فضائل قيام الليل:
1. أنه دأب الصالحين عبر الأزمان
قال النبي ﷺ:
«عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم» (رواه الترمذي).
فمن سار على دربهم نال من بركاتهم وأجورهم.
2. سبب لمغفرة الذنوب وإجابة الدعاء
الليل هو وقت الانكسار بين يدي الله، ولذلك كان الدعاء فيه أقرب للإجابة، والمغفرة فيه أقرب للعبد من أي وقت آخر.
3. نور في الوجه، وانشراح في الصدر، وبركة في الرزق
4. دلالة على قوة الإيمان وصدق المحبة
فمن ترك فراشه المريح، وقام لربه خاشعًا، فقد قدّم حب الله على حب الراحة.
قيام الليل للمرأة
إن كانت أمًّا أو مشغولة، فلها أن تكتفي بركعتين أو أربع، والله يكتب لها أجر نيتها وتعبها.
الفرق بين قيام الليل والتهجد والتراويح
| العبادة | التعريف | الحكم |
|---|---|---|
| قيام الليل | كل صلاة تُصلّى بعد العشاء إلى الفجر | سنة مؤكدة |
| التهجد | قيام الليل بعد نوم | أفضل صور القيام |
| التراويح | صلاة الليل جماعة في رمضان فقط | سنة مؤكدة في رمضان |
إذن: كل تهجد هو قيام ليل، وليس كل قيام ليل تهجدًا. والتراويح جزء من قيام رمضان، لكنها تُصلّى جماعة.
لمعرفة المزيد عن صلاة التهجد وأحكامها، يمكنك زيارة: ما الفرق بين قيام الليل والتهجد
كيفية صلاة قيام الليل والوتر
بعد أن تصلي ما تيسر من ركعات:
صِفَة الوتر:
1. ركعة واحدة (وهي الأكمل).
2. أو ثلاث ركعات، إما متصلة أو منفصلة (2+1).
3. تقرأ في الركعة الواحدة:
- الفاتحة ثم:
- الأعلى
- الكافرون
- الإخلاص
(أو أي سور تشاء).
دعاء القنوت في الوتر
«اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولّني فيمن تولّيت…»
حكم صلاة الوتر
وتاركها يُفوّت أجرًا عظيمًا، لذلك يُستحب الحفاظ عليها ولو بركعة واحدة.
خلاصة عملية: كيفية صلاة قيام الليل خطوة بخطوة
1. توضأ واستقبل القبلة.
2. انوِ بقلبك صلاة قيام الليل.
3. صلِّ ركعتين، ثم سلّم.
4. ركعتين … حسب قدرتك.
5. ادعُ الله بين الركعات.
6. اختم صلاتك بالوتر (1 أو 3 ركعات).
7. أكثر من الدعاء في السجود.
اجعل القيام عادة ولو بركعتين فقط.