13 ديسمبر 2025
فضل كفالة اليتيم
رحلة كفالة اليتيم تتجاوز فكرة تحويل مبلغٍ مالي آخر الشهر، وخانة تُعلَّم عليها في قائمة التبرعات، فهي حكاية إنسانية تُنسجُ بين قلبين؛ قلب متبرّع اختار أن يفتح بابًا للخير بينه وبين ربه، وقلب طفلٍ صغير فَقَدَ الأمان مبكّرًا، فكانت الكفالة جسرًا يُعيد إليه بعض ما سُلب منه. حين تكفل يتيمًا، فأنت لا توفِّر له طعامًا وملبسًا فحسب، بل تمنحه شعورًا بأن في هذا العالم من يفكّر به، ويدعو له، ويخطِّط ليستمرّ في تعليمه ورعايته، حتى وإن لم يلتقِ به يومًا.
في هيومان أبيل، نرى يوميًا كيف تتحوّل كفالة يتيم واحد إلى نقطة تحوّل في حياة أسرةٍ كاملة؛ أمّ أرملة تستعيد قدرتها على تلبية احتياجات أطفالها، وجدّة مُسِنّة يخفّ القلق في عينيها قليلًا حين تعلم أن حفيدها مكفول، وطفل يعود إلى مقعده في المدرسة بدلًا من البحث عن عمل في الشوارع. من بعيد قد تبدو الكفالة رقمًا على موقع إلكتروني، لكن في الميدان هي وجبة ساخنة، ودفتر مدرسي، ودواء، وبطانية في ليلة باردة، ورسالة أمل لطفل: "لست وحدك".
هذه الرحلة ليست إنسانية فقط، فهي قبل كل شيء عبادة عظيمة الأجر. بل أحد أعظم الأعمال التي امتدحها القرآن، وبشّر بها الرسول ﷺ، وجعلها طريقًا مباشرًا إلى الجنة. أن تمدّ يدك إلى طفلٍ فقد سندَه ليست مجرد صدقة، بل هي إصلاح، ورحمة، وعدل، وإحياء لنفوسٍ صغيرة أدركت مبكرًا أن العالم أقسى مما ينبغي.
يقول الله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ﴾
فالخير الذي تتحدث عنه الآية ليس مالًا فقط؛ بل إصلاحًا لحياة اليتيم، وتصحيحًا لمسارٍ كاد ينحرف بسبب فقدان الأب أو الأم أو كليهما. وحين تكفل يتيمًا، فأنت تُصلح جزءًا من عالمه المنهار، وتعيدُ إليه شعور الطمأنينة والانتماء.
أما النبي ﷺ، فقد رفع مكانة كافل اليتيم إلى أعلى درجات القرب منه في الجنة، فقال: «أنا وكافلُ اليتيم في الجنة هكذا» وأشار بالسبابة والوسطى وفرّج بينهما.
فضل كفالة اليتيم ليس فضلًا روحيًا فقط، بل فضلًا دنيويًا تشهده أنت قبل غيرك؛ إذ يرى المتبرعون هؤلاء الأطفال يكبرون عامًا بعد عام، ويرون أحلامهم تعود للحياة من جديد. وما دمت تكفل يتيمًا، فأنت تسير في خطى من قال الله عنهم: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾
بالطبع، سأضيف قصة قصي إلى فقرة قصص واقعية من الميدان، مع المحافظة على الأسلوب العاطفي والإنساني المتوازن الذي بدأناه، ودمجها بسلاسة داخل السرد.
قصص واقعية من الميدان
وراء كل يتيم مكفول حكاية تستحق أن تُروى؛ فالأرقام وحدها لا تنقل الألم، ولا تُظهر حجم التغيير الذي تصنعه الكفالة في حياة طفل. في الميدان، بين الخيام الممزّقة والبيوت المهدّمة والملاجئ المكتظّة، نرى لحظات صغيرة لكنها عظيمة في معناها؛ طفلٌ يبتسم للمرة الأولى منذ شهور، وأمّ تمسح دمعة امتنان، وجدّة تُشعل النار لطهي الطعام بعدما كانت لا تملك شيئًا تقدمه لأطفالها.
ملك… من الخيمة إلى الفصول المتنقلة
ملك ذات السبعة أعوام من غزة، طفلة كانت أحلامها بسيطة: مقعد في المدرسة، وحقيبة صغيرة، وأصدقاء تلعب معهم. لكن الحرب أخذت منها والدها، وحرمتها من بيتها ومدرستها. وحين التحقت بفصولنا المتنقلة، كانت ترتجف خوفًا: «كنتُ خائفة عندما بدأت أول درس لي… أما الآن فأنا أتطلّع للذهاب إلى المدرسة».
اليوم، بفضل الكفالة، تمسك ملك بالقلم بثقة أكبر، وتكتب كلماتها الأولى بفرحة طفلة بدأت تستعيد حقها الطبيعي في التعلّم. ليست الكفالة هنا مجرد مبلغ، بل حلم عاد للحياة.
محمد… الكفالة طوق نجاة
محمد، 13 عامًا، فقد والدته صغيرًا، ثم فقد والده في غارة جوية. يقول بصراحة لم نكن نتوقعها من طفل بهذا العمر: «لولا الكفالة… لمِتنا جوعًا».
اليوم، حين تخبره جدته بأن مبلغ الكفالة قد وصل، يقفز فرحًا، ليس لترفٍ ولا لرفاهية، بل لأنه يعرف أنه سيتمكن من شراء الطعام والملابس التي يحتاجها بشدة. فالكفالة بالنسبة لمحمد ليست صدقة عابرة، بل طوق نجاة.
قصي… طفلٌ يفوق الصعاب ويثبت أن الإعاقة ليست نهاية الطريق
من بين قصص الأمل التي تُبهر العاملين في الميدان قصة قصي خالد الدرديسي، الفتى البالغ من العمر 15 عامًا، والذي يعيش ظروفًا مركّبة من الإعاقة واليتم. فقصي يعاني من إعاقات سمعية وبصرية شديدة، وطيف توحّد، ويعيش اليوم في خيمة مؤقتة مع أسرته بعد استشهاد والده في حرب غزة.
ورغم كل هذه التحديات، يمتلك قصي موهبة استثنائية في البرمجة والذكاء الاصطناعي. كفالته كانت النافذة التي سمحت له بالتعلّم، وتطوير مهاراته، والمشاركة في مسابقاتٍ لم يكن ليصل إليها لولا هذا الدعم. فقصي دليل حيّ على أن كفالة واحدة قد تطلق العنان لعبقرية كانت مخفية تحت ركام الحرب والفقر والفقد.
أطفالٌ صغار لطمتهم الحياة مرتين… اللطماء في غزة
هناك فئة من الأطفال لا يسمع العالم أصواتهم كثيرًا؛ من فقدوا كلا الوالدين. هؤلاء يسمّون "اللُّطماء" لأن الفقد صفعهم مرتين. بعضهم فقد أبويه في نفس القصف، وبعضهم بقي مصابًا أو مُقعدًا بينما رحل كل من كان يحميه.
في صندوق رعاية أطفالنا اللطماء في غزة، نرى الألم بأوضح صوره:
طفل يسأل جدته كل ليلة لماذا لا يعود والداه، وطفلة تخاف النوم لأن آخر صورة رأتها كانت بيتًا ينهار فوق رأس والدتها، وصبيٌّ يتعلم السير من جديد بعد إصابة خطيرة، ولكن بلا يدٍ تمسكه ولا أبٍ يطمئنه.
كم المبلغ الشهري لكفالة اليتيم؟
عندما يسأل المتبرّع: "كم المبلغ الذي أحتاجه لكفالة يتيم؟" فهو في الحقيقة يسأل سؤالًا أكبر بكثير من رقم. إنه يسأل عن القوة الحقيقية لهذا العطاء، وعن حجم التغيير الذي يمكن أن يصنعه التزام شهري ثابت في حياة طفل فقد أحد أبويه أو كليهما.
في هيومان أبيل، صُممت الكفالة بحيث تكون عملية، واضحة، ومباشرة في أثرها:
50 دولارًا شهريًا… حياة كاملة لطفل واحد
بهذا المبلغ الشهري، الذي قد يساوي تكلفة وجبة خارج المنزل في بعض البلدان، يحصل اليتيم على:
هذه ليست خدمات مجزّأة، بل منظومة حماية كاملة تُبنى على اشتراك شهري بسيط، لكنها تُغيّر واقع طفل كامل.
600 دولار سنويًا… التزام واحد يمنح عامًا كاملًا من الأمان
لمن يفضّل الدفع دفعة واحدة، فإن كفالة العام الكامل بمبلغ 600 دولار هي خيار مريح، وتُوفّر على الأسرة المكفولة القلق بشأن الاستمرارية.
هذا النوع من الكفالة يمنح الطفل:
ويُسهّل على المتبرّع أداء الخير دفعة واحدة دون التزام شهري.
كيفية كفالة يتيم؟
كفالة اليتيم عملية بسيطة للغاية، لكنها تفتح بابًا واسعًا من الأجر والعطاء. تبدأ الرحلة بخطوة واحدة:
1. اختيار نوع الكفالة
يمكنك اختيار كفالة شهرية بقيمة 50 دولارًا أو كفالة سنوية بقيمة 600 دولار. وكلا الخيارين يضمنان للطفل الغذاء والتعليم والرعاية.
2. تحديد البلد والطفل
من خلال قائمة الدول التي تعمل بها هيومان أبيل – مثل غزة، وسوريا، واليمن، والسودان، وباكستان – يمكنك تحديد مكان الكفالة، واختيار جنس الطفل وسنّه، أو ترك القرار لفريقنا ليصل دعمك إلى الأكثر احتياجًا.
3. إتمام التبرع وتثبيت السحب الشهري
عند إتمام الدفع، يُسحب مبلغ الكفالة شهريًا في اليوم نفسه من حسابك، لضمان استقرار دخل الأسرة المكفولة وعدم انقطاع الدعم.
4. وصول ملف اليتيم
فور إتمام التبرع، يصلك ملف ترحيبي يحتوي على صورة ومعلومات اليتيم الأولية.
5. التقارير الدورية والمتابعة
يصلك تقرير عن حالة الطفل كل 6–12 شهرًا.
ولحماية الأطفال، لا يُسمح بالتواصل المباشر معهم، لكن فرقنا الميدانية تزور الأيتام وتتابع احتياجاتهم بشكل مستمر، قدر الإمكان، خاصةً في المناطق المتأثرة بالنزاعات مثل غزة.
وبهذه الخطوات، تتحول كفالتك من إجراء إلكتروني بسيط إلى تغيير حقيقي.
أيهما أفضل: الصدقة أم كفالة اليتيم؟
الصدقة باب واسع من الخير، ويندرجُ تحتهُ مختلف أنواع الخير، فهي تُطعم الجائع، وتكسو الفقير، وتواسي الملهوف. لكن كفالة اليتيم بابٌ أكثر تخصصًا… وأجره أعظم. فهي التزام مستمر يُغيّر حياة طفل بالكامل، ويمنحه الاستقرار الذي فقده بفقد والديه أو أحدهما.
الصدقة تُنقذ يومًا، أما الكفالة فتبني حياة.
والنبي ﷺ لم يَعِد بجواره في الجنة إلا أصنافًا قليلة، وكان من بينهم كافل اليتيم، لِما في الكفالة من رحمة وإصلاح واستمرارية.
ومع ذلك، لا تعارض بين البابين؛ فالصدقة تُخفف آلامًا كثيرة، والكفالة تُنقذ طفلاً بعينه.
فإن استطعت، فاجمع بينهما: صدقةٌ تعين بها عامة المحتاجين، وكفالةٌ تُخصّصها لطفلٍ يتيم.
بهذا تكون قد جمعت بين أجر العطاء الواسع… وأجر الرحمة العميقة التي تتعلق بقلب طفل لا يملك من الدنيا إلا دعاءً يرفعه كل ليلة.
في كل مرة تختار فيها أن تكفل يتيمًا، فأنت تمنحه شعورًا بأن العالم لم ينسَه، وأن فقده لم يُلغِ قيمته، وأن هناك من يقف معه ويمنحه فرصة ليبدأ من جديد. فالكفالة هي يدك التي تمتدّ إلى طفلٍ ضعيف في غزة، أو سوريا، أو اليمن، أو السودان، فتغيّر واقعه ومستقبله.