22.10.2024
شهدت لبنان في الأشهر الأخيرة تصاعداً في التوترات العسكرية نتيجة القصف الإسرائيلي، مما أدى إلى نزوح أعداد كبيرة من السكان، خاصة من جنوب لبنان وبيروت. أضافت هذه الأحداث طبقة جديدة من التحديات إلى أزمة النزوح التي يعاني منها لبنان منذ سنوات، لتشمل مواطنين لبنانيين نزحوا مؤخراً عوضاً عن اللاجئين السوريين الموجودين في البلد أساساً.
وتشير التقديرات إلى أن آلاف العائلات قد نزحت من القرى الجنوبية اللبنانية والمناطق المحيطة بالعاصمة بيروت. أغلب هؤلاء النازحين توجهوا إلى مناطق أكثر أماناً في شمال لبنان وجبال لبنان، أو إلى مناطق داخلية بعيداً عن الحدود. بعضهم لجأ إلى الأقارب أو الأصدقاء، بينما اضطر آخرون للإقامة في المدارس والمباني العامة التي تم تجهيزها بشكل مؤقت لإيوائهم.
وكانت وحدة إدارة الكوارث التابعة للحكومة اللبنانية قد أعلنت في أحدث تقرير لها أن العدد الإجمالي للنازحين ارتفع إلى مليون و200 ألف شخص، بينهم 172 ألفا مسجلين في مراكز الإيواء بعد أن فتحت الحكومة المدارسَ والمعاهد في مناطق وسط وشمال البلاد لإيواء النازحين في ظل أعنف قصف منذ حرب 2006.
زاد هذا النزوح الأخير من الضغط على الموارد الإنسانية المحدودة بالفعل. المنظمات الإغاثية الدولية والمحلية التي كانت تقدم المساعدات للنازحين السوريين وجدت نفسها مضطرة لتقديم الدعم للبنانيين النازحين الجدد، مما جعل من تقديم المساعدات أمراً أكثر تعقيدًا نظراً لحجم الاحتياجات الكبير والزيادة في عدد المستفيدين من المساعدات.
فمع نزوح الآلاف، ازدادت الحاجة إلى مأوى آمن وخدمات أساسية مثل المياه، والغذاء، والرعاية الصحية. وفي الوقت الذي كانت فيه البنية التحتية اللبنانية تعاني أصلًا من الضغط، أصبح من الصعب الآن استيعاب المزيد من النازحين. كثير من المباني العامة والمنازل المؤقتة التي استُخدمت كملاجئ تفتقر إلى الشروط الصحية والآمنة للسكن.
توسيع نطاق المساعدات الإنسانية يجب توفير التمويل الكافي لتوسيع نطاق عمليات الإغاثة لتشمل النازحين اللبنانيين وتوفير الغذاء والمياه والرعاية الصحية والمأوى لهم، وهذا يتطلب تكاتف جهود المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية. كذلك، يجب التنسيق بين الجهات المانحة والمنظمات الإغاثية لضمان وصول المساعدات إلى المناطق الأكثر تضررًا.
من المهم تقديم الدعم النفسي للعائلات النازحة، خاصة الأطفال، الذين يعانون من آثار الصدمة. يمكن تنفيذ برامج دعم نفسي واجتماعي للأطفال والأسر لمساعدتهم على تجاوز الصدمة والتكيف مع الظروف الصعبة التي يعيشونها. كما يجب توفير الدعم المالي المباشر للعائلات التي فقدت مصدر رزقها أو منازلها جراء القصف.
إذ تحتاج المناطق التي استقبلت النازحين، مثل شمال لبنان والمناطق الجبلية، إلى دعم خاص. هذه المناطق قد تعاني من نقص في الموارد والخدمات بسبب تدفق النازحين، وبالتالي يجب تقديم المساعدات لهذه المناطق لتعزيز قدرتها على استيعاب المزيد من النازحين وضمان تقديم الخدمات الأساسية لهم وللمجتمعات المحلية المستضيفة.
لا تعدّ تلبية احتياجات النازحين واجبًا إنسانيًا وحسب، بل ضرورة لضمان استقرار لبنان ومنع تفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية. فكلما تأخر تقديم الدعم اللازم زادت معاناة النازحين وتفاقمت التحديات التي تواجههم.
ولا يقتصر الدعم العاجل على تقديم المواد الغذائية والمأوى، بل يشمل أيضًا تقديم حلول طويلة الأمد لإعادة بناء حياة النازحين وتأمين مستقبلهم. كما أنّ تحسين الخدمات الصحية، وإعادة تأهيل المدارس، وتوفير فرص عمل للعائلات التي فقدت مصادر رزقها يجب أن يكون جزءًا من الجهود الإنسانية الشاملة.
تعكس أزمة النزوح في لبنان تعقيد الوضع السياسي والإنساني في البلاد. فقد زاد القصف الإسرائيلي الأخير من تفاقم هذه الأزمة، ما يجعل الحاجة إلى تضامن دولي وإقليمي أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. الدعم المستمر والاهتمام بمعالجة احتياجات النازحين اللبنانيين بشكل فوري ومستدام يعدان خطوة حاسمة نحو تخفيف معاناتهم وضمان استقرار لبنان.
يعد الدور المجتمعي أساسيًا في تخفيف معاناة النازحين اللبنانيين. فبفضل تضافر جهود الأفراد والمنظمات المحلية، يمكن تقديم دعم مباشر وفعال للأسر المتضررة.
تلعب المجتمعات المحلية دورًا كبيرًا في توفير المأوى المؤقت والمساعدات الغذائية وتلبية الاحتياجات العاجلة. هذا النوع من الدعم يعزز روح التضامن ويخلق شعورًا بالمسؤولية المشتركة تجاه النازحين، مما يسهم في تقوية النسيج الاجتماعي.
إضافة إلى ذلك، يمكن للمجتمع المحلي أن يوفر الدعم النفسي والاجتماعي من خلال مبادرات تعتمد على التطوع والمشاركة المجتمعية. إنّ تنظيم فعاليات جمع التبرعات، وتقديم الدعم العاطفي، وإنشاء شبكات دعم جميعها تعزز قدرة النازحين على التكيف مع الصدمات والأوضاع الصعبة.
كما تلعب هذه الجهود المشتركة دوراً كبيراً في تعزيز الاستجابة الفعالة للأزمة، وتساعد في تخفيف الضغوط على الحكومة والمنظمات الدولية، مما يسهم في تحقيق استقرار أكبر للمجتمع ككل.