التغير المناخي: تأثير موجات الحر علي المجتمعات الضعيفة

ما هي موجات الحر؟

مع تفاقم أزمة التغير المناخي وارتفاع معدلات الاحتباس الحراري، أصبحت موجات الحر أكثر تكرارًا وحِدّةً من أيّ وقتٍ مضى، حتى تحوّلت إلى واحدةٍ من أخطر الكوارث الطبيعية التي تواجه كوكبنا اليوم ويزدادُ خطرها يومًا بعدَ يوم. وتُعرَّف موجات الحر بأنها فترات ممتدة من درجات الحرارة المرتفعة بشكلٍ يفوق المعدلات الطبيعية لمكانٍ ما، وغالبًا ما تترافق مع رياحٍ ساخنة وجفاف، مما يزيدُ من خطورتها على الإنسانِ والبيئة معًا.

قال الله تعالى: ﴿وجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ، فالماء هو أساسُ الحياةِ ومصدرها، فكيف إذا انقطعَ الماء وجفّت الأرض بسبب موجات الحر؟ إننا أمام تحدٍّ إنساني وبيئي يحتاجُ إلى وقفةٍ جماعية للحد من آثارها على الناس، والشجر والحجر ﴾.

ليلة الإسراء والمعراج هي واحدة من أعظم الليالي في ديننا الإسلامي، وفيها أكرم الله سبحانه وتعالى نبيهُ محمدًا ﷺ برحلةٍ سماويةٍ اختصّهُ بها. في هذه الليلة، أسرى الله برسوله من المسجد الحرام في مكة إلى المسجد الأقصى في القدس، ثم عرجَ به إلى السماوات العلا. وارتفع فوق السماء السابعة ومعه جبريل، فأوحى الله إليه ما أوحى، وفرض عليه الصلوات الخمس، الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، فرضها الله خمسين، فلم يزل النبي ﷺ يسأل ربه التخفيف؛ حتى جعلها خمسًا سبحانه، فضلاً منه، ونادى منادٍ: "إني قد أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي".

كانت هذه الرحلة الإلهية تثبيتًا لقلبِ النبي الكريم وإظهارًا لعظمة الله وقدرته ومعجزاته، فهو جلَّ في عُلاه لا يعجزهُ من الأمر شيء. كما حملت رسائل عظيمة عن أهمية الإيمان والتسليم إلى الواحد القهّار والصلاة، وعن مكانة القدس والمسجد الأقصى في الإسلام.

من هم الأكثر تضررًا؟

إنّ موجات الحر لا تؤثّرُ على الجميع بالتساوي، فالحقيقة أن المجتمعات الضعيفة هي الأكثرُ هشاشةً أمام آثارها. وتشملُ هذه الفئات كبار السن، والمرضى، والأطفال، والأسر الفقيرة التي لا تملكُ وسائل تبريدٍ كافية أو مساكنَ مؤهلة لتحمّل درجات الحرارة القاسية. وفي بعض القرى النائية أو المخيمات، يصبحُ الحصول على مياهٍ نظيفة وكهرباءٍ لتشغيل مراوح أو أجهزة تكييف رفاهيةً بعيدةَ المنال.

الأثر الصحي والاقتصادي لموجات الحر

تتعدّى آثار التغير المناخي الجانب البيئي لتطالَ حياة الإنسانِ وصحته. فارتفاعُ درجات الحرارة بشكلٍ مفرط يؤدي إلى حالات إجهاد حراري وضربات شمس قد تودي بالحياة. كما تُفاقم موجات الحر بعض الأمراض المزمنة مثل أمراض القلب والجهاز التنفسي.

أما اقتصاديًا، فتتسبّبُ موجات الحر في جفاف المحاصيل الزراعية، وارتفاعِ أسعار الغذاء، ونقصِ المياه، ما يضعُ عبئًا إضافيًا على الأسر الضعيفة والمجتمعات المهمّشة والنازحين، فيجدُ هؤلاء أنفسهم مضطرونَ لتخصيصِ الجزء الأكبر من دخلهم القليل لمواجهة هذه التحديات. وهكذا يصبح أثر التغيرات المناخية على الصحة والمعيشة واقعًا يثقل كاهل الفقراء ويزيدُ من معاناتهم.

أمثلة واقعية من دول متضررة

في السنوات الأخيرة، شهدت بعض الدول مثل الهند وباكستان موجات حرٍّ مميتة راح ضحيتها المئات، بسبب الانقطاع المتكرر للكهرباء ونقص المياه. وفي إفريقيا، تتعرّض بعض القرى لموجات حر وجفاف حاد يُجبر الأسر على النزوح بحثًا عن موارد أساسية. وفي غزة ،السودان، وتحتَ وطأةِ الحرب والنزاع ونزوح الملايين نحو الخيام، يشكّلُ الصيفُ وحرارته عبئًا إضافيًا يُضافُ إلى سلسلةٍ من الأعباء التي تُثقلُ كاهلهم وتُصعّبُ معيشتهم. وهذه الأمثلة ليست إلا جرس إنذار يُذكرنا بضرورة تحرّكنا الجماعي.

كيف يمكن التخفيف من التأثير؟

رغم سوداوية المشهد، إلا أنّ الأملَ دائمًا موجود. إذ يمكن لنا التخفيف من آثار موجات الحر عبر عدة خطوات، تبدأ من نشر الوعي وتصلُ إلى السياسات الحكومية. فمن الضروري نشر التوعية بأساليب الوقاية مثل شرب كميات كافية من المياه، وتجنّب الخروج في أوقات الذروة، وتوفير ملاجئ مبرّدة للفئات الأكثر هشاشة.

كما على الحكومات والمجتمع الدولي العمل معًا لدعم المجتمعات الضعيفة ببنى تحتية مقاومة للتغير المناخي، مثل بناء منازل عازلة للحر، وتوفير مصادر مياه مستدامة، وتشجيع استخدام الطاقة النظيفة لتقليل تأثير التغير المناخي مستقبلاً.

إن موجات الحر ناقوس خطر يدعونا جميعًا لمراجعةِ نمطِ حياتنا، وعاداتِ استهلاكنا، والتكاتف لحماية الأرضِ والإنسان. فلنجعل من وعينا طوق نجاةٍ لأولئك الذين لا صوتَ لهم في مواجهة آثار تغير المناخ على الإنسان.

﴾ وصدق الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ