يحتفي جموع المسلمين في العالم في الثاني عشر من ربيع الأول من كل عامٍ بمولد نبيّ الرحمة محمد ﷺ. ويختلف شكل الاحتفاء في كلّ بلدٍ عن غيرها وبين كل جماعةٍ عن غيرها، فهناك مَن يحيي اليوم بتذكر سيرته العطرة والصلاة عليه وهناك مَن يُقيم الموالد والفعاليات.
تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي
ترجّح المراجع التاريخية إلى أنّ أول من احتفل بذكرى المولد النبوي وخصص له يوماً هي الدولة العبيدية الشهيرة بالفاطمية بالمولد النبوي، حيث كانت تحمل صواني الحلوى إلى الجامع الأزهر، ثم إلى قصر الخلافة حيث تلقى الخطب ويدعى للخليفة.
كما كانت الدولة الأيوبية تحتفل بالمولد النبوي وينفق فيها أموال طائلة على الفقراء وغيرهم، ويجتمع الصوفية والفقهاء والوعاظ والشعراء، فتنحر الإبل والبقر والغنم وتطبخ ويأكل الناس.
أما خلال الخلافة العثمانية فقد اتخذ الاحتفال شكلاً آخر؛ إذ خُصص الاحتفال ليلة المولد كلّ عام بمسجدٍ معين يدخله العلماء مع الخليفة ليقرؤوا القرآن وقصة مولد النبي ثم كتاب دلائل الخيرات في الصلاة على النبي ثم ينتظم بعض المشايخ في حلقات الذكر وينشد المنشدون وترتفع الأصوات بالصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، ثم في صبيحة يوم 12 من ربيع الأول يجيء كبار الدولة لتهنئة السلطان.
حكم الاحتفال بالمولد النبوي
اختلف العلماء قديماً وحديثاً في حكم ذلك، ولم يتفقوا في زمن من الأزمنة على رأيٍ واحدٍ منذ بداية ظهور الاحتفال، لكن يمكننا أن نُجمل الآراء المتفاوتة بما يلي:
وقد اعتمد العلماء هذا الرأي بما ثبت في الصحيحين من أن النبيَّ ـ ﷺ ـ قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا: "هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجَّى موسى، فنحن نصومه شكرًا لله تعالى."
كما استدل هذا الفريق أن إظهار الفرح والسرور الأصل فيه أنه مباح، وأنّ إظهاره مشعر بمحبته ﷺ وتعظيمه في قلب فاعل ذلك، وشكراً لله على نعمة الرسالة.
وقد استدل هذا المذهب إلى ما قاله الإمام ابن تيمية من كون الاحتفال بالمولد النبوي بدعة لم يفعله السلف، مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه”، وقال: “ولو كان هذا خيراً محضاً، أو راجحاً؛ لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله ﷺ وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص."
صور الاحتفال بالمولد النبوي
صورةٌ متفق على تحريمها وهي ما كان بالبدع والشركيات والمنكرات، كرقص وطبل وزمر واختلاط واستغاثة ببشر؛ ولياً كان أو نبياً. صورة ثانية اختُلف فيها، وهي ما كانت باجتماع الناس على تلاوة قرآن أو تدبر حديث، أو مدارسة سيرة، أو مدح بشعر أو إنشاد.
كيف نحيي ذكرى المولد النبوي؟
لعلَّ خير ما نحيى به ذكرى ميلاد نبينا ﷺ هو أن نسير على خطاه ونهتدى بهديه ونفتدى بسنته لمواجهة ما نعانيه من قصور في زمننا هذا في مختلف نواحي الحياة الشخصية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية و وغيرها، وذلك امتثالاً لقول تبارك وتعالى: (لّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو اللّهَ وَالْيَوْمَ الاَخِرَ وَذَكَرَ اللّهَ كَثِيراً).
وجدير بالذكر أن الأمر بطاعة واتباع الرسول ليس قاصراًعلى قومه وزمنه فحسب بل هو واجبٌ على كلّ البشر إلى يوم القيامة لقوله تعالى: (وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ كَآفّةً لّلنّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً).
وقد سُئِلَ شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر عن عمل المَوْلِد فأجاب بما نصه: أصل عمل المَوْلِد بدعة لم تُنْقَل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة الصحابة والتابعين وتابع التابعين ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسنَ وضدِّها، فمن تَحَرَّى في عملها المحاسن وتجنَّب ضدَّها كان بدعةً حسنة وإلا فلا.
أما الحافظ السيوطي، فقد أباح إإحياء هذه الذكرى بشكر الله على نعمة الرسالة ونبي الرحمة وبأنواع العبادة كالصلاة والصوم والصدقة وتلاوة القرآن وغيرها. فقال: وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت، وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبيَّ ـ ﷺ ـ قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا: "هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجَّى موسى، فنحن نصومه شكرًا لله تعالى. فيُستفاد منه فعل الشكر لله على ما مَنَّ به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نِقْمة، ويُعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سَنَة. والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأية نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبيّ نبيّ الرحمة في ذلك اليوم".