29.11.2024
النذر من العبادات القديمة قدم الإنسان والأديان. فقد نذرَت امرأة عمران مولودها للعبادة في بيت المقدس، فلما وضعتها أنثى، سمّتها مريم، وأوفت بالنذر وسلكتها في العبادة هناك. والنذر لغةً الإيجاب، بمعنى أن الإنسان يُوجِب على نفسه فعل شيء هو في الأصل ليس واجبًا عليه.
قال تعالى: {إذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[سورة ال عمران: ۳٥].
النذر في القرآن والسنة
لقد جاء النذر في القرآن الكريم، حيث قال الله -تعالى- مادحًا الأبرار في سورة الإنسان: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [سورة الإنسان: ٧]. وتحدَّث عن الحجيج في سورة الحجّ، فقال: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [سورة الحج: ٢٩].
أما في السنة النبوية الصحيحة، فقد ورَد أن عمر بن الخطاب، رضيَ الله عنه، استفتى النبيّ ﷺ عن نذرٍ كان الفاروق قد نذره في الجاهلية، فأمره بالوفاء: «سَأَلَ عُمَرُ النبيَّ ﷺ عن نَذْرٍ كانَ نَذَرَه في الجاهِلِيَّةِ، اعْتِكافٍ: فأمَرَهُ النبيُّ ﷺ بوَفائِهِ.» [رواه البخاري، ٤٣٢٠]
أنواع النذر في الإسلام
تختلف النذور في الإسلام باختلاف الغاية من تصنيفها. فإذا أردنا الحديث عن التعيين، فهناك النذر المسمَّى وهو ما يُحدَّد فيه المنذور والعمل الذي سيقوم به الناذر، والنذر المبهَم، وهو ما لم تُحدَّد فيها ماهية النذر. أما إن أردنا التصنيف تبعًا للإباحة أو الكراهة، فهناك النذر:
1.المباح:
هو النذر الذي يتعلَّق بأمر مباح في أصله، ولا يشترط فيه طاعة أو معصية.
2.المكروه أو الحرام: هو النذر الذي يكون فيه معصية أو أمر مكروه، أو يتعلّق بأمر غير مستحب في الإسلام.
ومن ناحية أخرى، هناك تصنيف آخر يعتمد على مادة النذر؛ فهناك نذر يتعين فيه إنفاق مال وهو النذر المالي، وآخر يكون المقصود به والمراد منه القيام ببعض الطاعات والقُربات، من صلاة أو صيام أو حج (من باب التنفّل، لا الفرائض المعروفة).
الفرق بين النذر بالمال والنذر بالعمل
تختلف ماهية النذور باختلاف الشيء المنذور عمله. فالنذر بالمال هو النذر بفعل شيء يتعلّق بالمسائل المالية، من صدقة وتبرعات مالية. أما النذر بالعمل فهو أي نذر يتعلق بأمور أخرى أو عبادات غير مالية، من قبيل أن ينذر الإنسان أن يصلّي عددًا معيّنًا من الركعات أو أن يصوم أيامًا بعينها (سواء تكرّرت أو كانت أيامًا محدودة)، أو أن يحجّ أو يعتمر أو غير ذلك من الطاعات أو المباحات.
أنواع التبرعات المرتبطة بالنذور
يرتبط بالنذور العديد من التبرعات، كالتبرع بالمال نقدًا أو إهداء بعض الذبائح والتصدق بها على الفقراء، أو التصدق بالحلّي من ذهب وفضّة. وهذه التبرعات واجبة طالما تحقَّق النذر بالشروط الشرعية ودخل في نطاق الوجوب على الناذر.
والنذر بالمال واجبٌ الوفاء به؛ لأنه يقع ضمن نطاق النذر المباح، فهو نذرٌ للقيام بطاعات وقُربات لله تعالى وليس هناك ما يمنع منها، ولذا لا مفرّ للإنسان من الوفاء به وإتمامه. أما إن عجَز الناذر عن الوفاء به، لضائقة مالية ألمَّت أو ظروف قاهرة اعترته، فإن هذا النذرَ يبقى دَينًا عليه، معلَّقًا في رقبته، إلى أن يتوفّر لديه المال الكافي للوفاء بهذا النذر. وتبقى أبواب الخير ومصارِف الزكاة مفتوحة أمام الناذر لتوجيه نذره إليها للتصدّق والتبرّع بما نذر إنفاقه من أموال.