19 ديسمبر 2025
يشعر الكثير من الصائمين بالعطش خلال ساعات النهار، خاصة في الأيام الحارة أو الأشخاص الذين يبذلون جهدًا بدنيًا كبيرًا وقت الصيام. ورغم أن الإحساس بالعطش أمر طبيعي، إلا أن شدّته لا تعتمد فقط على عدد ساعات الصيام، بل على نوعية التغذية، وكمية السوائل التي نتناولها، ومدى استعداد الجسم قبل بدء الصوم. ولأن رعاية البدن جزء من مقاصد الشريعة، فإن فهم أسباب العطش خطوة أساسية قبل البحث عن طرق تجنّبه، لأن كثيرًا من العوامل التي تزيد العطش يمكن التحكم فيها بسهولة، سواء عبر تنظيم شرب الماء أو اختيار الأطعمة المناسبة في الإفطار والسحور.
أسباب العطش في رمضان
يمكن تلخيص هذه الأسباب في ثلاثة محاور رئيسية:
1. نقص السوائل الطبيعي أثناء الصيام
يمتنع الصائم لساعات طويلة عن الشرب، فيما يستمر الجسم في استهلاك الماء عبر التعرّق، والعمليات الحيوية. ومع عدم تعويض هذا الفقد بشكل كافٍ بين المغرب والسحور، يزيد شعور العطش.
2. عوامل غذائية تزيد الإحساس بالعطش
بعض الأطعمة والمشروبات تُسرّع فقدان الماء أو ترفع حاجة الجسم إليه، مثل:
كل هذه العناصر ترفع تركيز الأملاح أو السكر في الدم، فيطالب الجسم بالماء لإعادة التوازن.
3. عوامل سلوكية وصحية
وهي أسباب لا ينتبه إليها الكثيرون، لكنها تؤثر بقوة في الإحساس بالعطش:
هذه الأسباب مجتمعة تجعل الصائم أكثر عرضة للجفاف إن لم يُعالجها بخيارات مدروسة منذ الليلة السابقة.
كيف تتجنب العطش في رمضان؟
تجنّب العطش خلال الصيام لا يعتمد على مقدار ما نشربه فقط، بل على كيف ومتى وما نشربه، وكذلك على نوعية الطعام الذي نتناوله في الإفطار والسحور. فالجسم لا يحتفظ بكمية كبيرة من الماء إذا شُربت دفعة واحدة، وإنما يستفيد أكثر عندما تُوزّع السوائل تدريجيًا طوال الليل. كما أن بعض الأطعمة تساعد على تثبيت الماء داخل الخلايا لفترة أطول، بينما تدفع أخرى الجسم إلى فقدانه بسرعة.
تنظيم شرب الماء بين المغرب والسحور
أفضل استراتيجية هي تقسيم الماء على مراحل، بدلًا من شرب كميات كبيرة مرة واحدة. فخلال الساعات بين الإفطار والسحور، يُفضل شرب الماء على فترات متقاربة، مما يضمن ترطيبًا أفضل واستقرارًا للطاقة خلال النهار.
اختيار الأطعمة المرطّبة في الإفطار والسحور
هناك أطعمة تحتوي على نسب عالية من الماء وتساعد على الاحتفاظ بالسوائل، مثل:
إضافة هذه العناصر إلى الوجبات تُقلل من الجفاف وتمنح الجسم شعورًا بالانتعاش.
تقليل الملح والسكريات
الأطعمة المالحة ترفع مستوى الصوديوم في الدم، ما يجعل الجسم يطالب بالماء للتخفيف من تركيز الأملاح. كذلك تؤدي الحلويات الثقيلة إلى ارتفاع سريع في السكر، يعقبه إحساس قوي بالعطش. لذلك، الاعتدال في هذين العنصرين يُعد خطوة مهمة في أي خطة لتجنب العطش.
تجنب الكافيين واستبداله بمشروبات خفيفة
القهوة والشاي ومشروبات الطاقة تُعد مدرات للبول، وبالتالي تزيد من فقدان السوائل. ويمكن استبدالها بمشروبات أكثر لطفًا على الجسم مثل النعناع، والينسون، أو الماء المنقوع بالفواكه دون سكر.
اعتماد سحور ذكي يساعد على الاحتفاظ بالماء
السحور هو الركيزة الأساسية لترطيب الجسم خلال النهار. ومن الأفضل أن يشمل:
كوبين من الماء على الأقل
مع تجنب المخللات والجبن المالح والمقليات التي تزيد العطش منذ الصباح.
الحفاظ على النوم الجيد وتقليل الإجهاد
قلة النوم تُربك توازن السوائل في الجسم، وتزيد الإحساس بالإرهاق والعطش. لذلك يُنصح بتنظيم النوم والابتعاد عن السهر المفرط، خاصة في أيام الصيام الطويلة.
إستراتيجية لمكافحة العطش في رمضان
مكافحة العطش في رمضان لا تعتمد على خطوة واحدة، بل على خطة يومية مترابطة تساعد الجسم على الحفاظ على مستوى ثابت من الترطيب. وتعتمد هذه الخطة على توزيع الماء، وطبيعة الوجبات، وتوقيت النشاط البدني، إضافة إلى عادات بسيطة تساهم في تقليل فقدان السوائل. ويمكن لكل صائم أن يضع لنفسه "روتين ترطيب" يناسب يومه، يراقب فيه ما يشرب وما يأكل، ليضمن صيامًا مريحًا دون إجهاد.
1. استراتيجية من الإفطار حتى العشاء
من الأفضل البدء بالماء قبل الطعام مباشرة لإيقاظ الجهاز الهضمي وإعادة التوازن للجسم. بعد ذلك، يمكن شرب كوب ماء آخر مع الوجبة، ثم الاستمرار بشرب كمية معتدلة كل ساعة تقريبًا. كما أن وجود طبق سلطة غني بالخضروات المائية مثل الخيار والخس خلال الإفطار والعشاء يمنح الجسم مخزونًا جيدًا من السوائل يطلقه تدريجيًا.
2. استراتيجية ما بعد العشاء وحتى السحور
هذه الفترة مهمّة لتعويض ما فقده الجسم خلال النهار. يمكن خلالها اختيار مشروب دافئ خالٍ من الكافيين، أو تناول فاكهة غنية بالماء مثل البطيخ أو البرتقال، مع شرب كوب ماء إضافي قبل النوم.
3. استراتيجية السحور: أساس ترطيب النهار
وجبة السحور هي الركيزة الأكبر في مواجهة العطش. ويُفضّل أن تحتوي على:
أما المخللات والجبن المالح والأطعمة الحارة، فوجودها في السحور كفيل بزيادة العطش خلال النهار، لذلك يُفضّل تجنبها تمامًا.
4. إدارة النشاط البدني بعناية
النشاط البدني يزيد التعرّق وفقدان السوائل، ولذلك يُنصح بممارسة الرياضة بعد الإفطار بساعتين بدلًا من قبل المغرب. وإن كانت الرياضة ضرورية قبل الإفطار، فمن الأفضل أن تكون خفيفة وفي بيئة معتدلة الحرارة لتقليل التعرّق.
5. الحفاظ على النوم الجيد
النوم ليس رفاهية في رمضان؛ فهو يحافظ على توازن الهرمونات المسؤولة عن العطش والشهية. ساعات نوم قليلة تجعل الجسم أكثر حساسية للجفاف، وتزيد من شعور الصائم بالإنهاك، لذلك يجب الحرص على نوم كافٍ ومنتظم.
ماذا تفعل عند العطش الشديد في رمضان؟
قد يمرّ الصائم -رغم اتباعه لكل النصائح- بأوقات يشعر فيها بالعطش الشديد، وهو إحساس قد يترافق أحيانًا مع علامات تشير إلى بداية الجفاف. ويختلف ذلك عن العطش الطبيعي المعتاد، إذ يكون مصحوبًا بإرهاق واضح أو صعوبة في التركيز. ومن رحمة الله أن الشريعة راعت صحة الإنسان ورفعت عنه الحرج في حال الضرر، لكن التعامل المبكر مع هذه الأعراض يساعد في تجنّب الوصول إلى مرحلة الخطر.
علامات تستدعي الانتباه
إذا صاحب العطش أحد الأعراض التالية، فهذا يعني أن الجسم بدأ يعاني نقصًا حقيقيًا في السوائل:
هذه العلامات لا يجب تجاهلها، لأنها قد تتطور إلى جفاف حاد إذا استمر الصيام مع فقدان السوائل.
خطوات فورية لتخفيف العطش الشديد
عند الشعور بعطش مبالغ فيه، يمكن القيام ببعض الإجراءات البسيطة التي تساعد على تهدئة الجسد وتقليل فقدان السوائل:
هذه الخطوات لا تُغني عن شرب الماء، لكنها تساعد الجسم على التماسك وتقليل استنزاف احتياطي السوائل المتبقي لديه.
متى يتحول العطش إلى حالة تستدعي الفطر؟
إذا لم يتحسّن الصائم رغم الراحة وتخفيف المجهود، أو ازدادت الأعراض سوءًا، فهذا قد يدل على جفاف خطير يحتاج إلى تدخل فوري. هنا يظهر البعد الشرعي الذي يراعي سلامة الإنسان.
هل يجوز أن تفطر في رمضان بسبب العطش؟
يُعدّ العطش أمرًا طبيعيًا في الصيام، لكن عندما يتحول إلى حالة تُهدد سلامة الصائم أو تعيق قدرته على أداء وظائفه الأساسية، فإن الشريعة الإسلامية تُقدّم حفظ النفس على متابعة الصوم. فالله تعالى يقول:
﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾
[البقرة: 184]،
ويقول النبي ﷺ:
« إنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا » [البخاري].
هذه النصوص تُظهر بوضوح أن الإنسان ليس مُطالَبًا بتعريض نفسه للأذى، بل إن الشرع يرفع عنه الحرج إذا خشي الضرر.
ما هي الأشياء التي تعطش في رمضان؟
تزداد شدة العطش عند الصائم بسبب بعض العادات الغذائية والسلوكية التي تُفقد الجسم السوائل بسرعة أو ترفع حاجته للماء. ومعرفة هذه المسبّبات تساعد على تجنّبها، وبالتالي تقليل الإحساس بالعطش خلال النهار. فالعطش ليس مرتبطًا فقط بانقطاع الماء، بل بما نأكله، وكيف نهضم الطعام، وكمية الأملاح والسكر الموجودة في وجباتنا.