12 ديسمبر 2025
زكاة المال: شروطها وكيفية حسابها
زكاة المال هي أحد الركائز الأساسية في البناء الاجتماعي للإسلام؛ فهي أكثر من مجرد التزام مالي، إذ تعتبرُ عبادة قلبية تزكّي النفس، ووسيلة لإحياء روح التكافل داخل المجتمع. فهي تطهّر النفس من الشحّ، وتطهّر المال من الاكتناز، وتمنح الفقراء والمستضعفين حقّهم الذي جعله الله في أموال الأغنياء. يقول الله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾، وفي الحديث الصحيح: « ما نقص مال من صدقة »، ليُطمئن المؤمن أن الزكاة ليست خروج مالٍ من الجيب بل دخول بركةٍ إلى الرزق.
ومع تطوّر أشكال الثروة اليوم، من مدخرات مصرفية واستثمارات وأسهم إلى عملات رقمية وعقارات استثمارية، بات من الضروري أن يفهم المسلم بصورةٍ دقيقة كيف تُحسب زكاة المال وفق الضوابط الشرعية. فالهدف من أداء الزكاة ليس الامتثال للأمر الإلهي فحسب، بل إدراك الحكمة العميقة وراءها، وضمان وصولها إلى الفئات التي تستحقها بحق، بما يعزز العدالة الاجتماعية ويرسّخ قيم الرحمة التي جاء بها الإسلام.
لذلك يقدم هذا الدليل شرحًا تفصيليًا مبنيًا على الأدلة الشرعية والقياسات المعاصرة، ليكون مرجعًا واضحًا لكل مسلم يريد أداء زكاته بطريقة صحيحة، ودقيقة، وواعية.
ما هو نصاب زكاة المال؟
النصاب هو الحدّ الأدنى من المال الذي إذا امتلكه المسلم لمدة عام قمري كامل (الحول)، فوجبت عليه الزكاة. وقد حدده الشرع بنصاب الذهب الخالص، فيبلغ ما يعادل قيمة 85 غرامًا من الذهب عيار 24. وهذا المعيار ثابت منذ عهد النبي ﷺ، ويُعَدّ أكثر المقاييس عدالةً ووضوحًا في تقييم القدرة المالية للمسلم، مهما تغيّرت العملات أو الأنظمة الاقتصادية.
وفي زمننا الحديث، ومع اختلاف العملات حول العالم، أصبح الاحتساب يعتمد على القيمة السوقية للذهب يوم إخراج الزكاة، مما يسهّل على المسلمين في كل بلد معرفة النصاب بدقة. فإذا بلغت المدخرات أو الأموال -بعد خصم الديون المستحقة- قيمة تعادل نصاب الذهب أو تجاوزته، وجبت الزكاة عليه فورًا بعد مرور الحول.
وتكمن حكمة النصاب في أنه يحدد النقطة التي ينتقل عندها الإنسان من حدّ الكفاية إلى القدرة على العطاء. فهي ليست عبئًا يُفرض على كل شخص، بل واجب على من وسّع الله عليه، ليكون عطاؤه سببًا في سدّ حاجة أسرة، أو إطعام جائع، أو إعانة محتاج. وهكذا تتحول الزكاة من قيمة مالية مدفوعة، إلى أثرٍ حقيقي في حياة الفقراء والمساكين.
ومع أن القيمة السوقية للذهب تختلف من وقت لآخر، فإن المرجع الشرعي ثابت، والمعادلة واضحة: نصاب الزكاة = قيمة 85 غرامًا من الذهب في يوم احتساب الزكاة.
وكل من بلغ هذا النصاب واستقر ماله عامًا كاملًا، أصبح مخاطَبًا بإخراج زكاة ماله امتثالًا لقوله تعالى: ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾.
خطوات حساب زكاة المال
رغم اختلاف أنواع الأموال وأساليب الاستثمار من شخصٍ لآخر، تبقى الطريقة الشرعية لحساب الزكاة ثابتة وواضحة. ويمكن لأي مسلم -بغضّ النظر عن خبرته المالية- أن يحسب زكاته بدقة باتباع أربع خطوات أساسية تُعدّ جوهر عملية الحساب. هذه الخطوات لا تُسهِّل فهم عملية الزكاة فحسب، بل تمنح المسلم يقينًا وراحة بأنه أدّى ما فرضه الله عليه دون زيادة أو نقصان.
الخطوة الأولى: جمع جميع الأموال المملوكة خلال العام
يبدأ الحساب بحصر شامل لكل ما يملكه الشخص من أموال نامية أو قابلة للنماء، مثل:
الهدف من هذه الخطوة تكوين صورة دقيقة عن إجمالي الثروة المالية التي يجب النظر في زكاتها.
الخطوة الثانية: خصم الديون والمستحقات الواجبة السداد
الزكاة تُفرض على المال المملوك ملكًا تامًا، ولذلك يجب خصم الديون التي ينبغي دفعها خلال نفس العام الهجري، مثل الأقساط، والفواتير المؤجلة، والتزامات السداد القريبة.
ولا تُخصَم القروض طويلة الأمد بالكامل، بل الجزء المستحق خلال السنة فقط، لأن هذا هو القدر الذي يؤثر فعليًا في المال المتاح.
الخطوة الثالثة: مقارنة المال الصافي بالنصاب
بعد طرح الالتزامات المالية، ينتج ما يُسمّى صافي المال.
إذا بلغ هذا الصافي قيمة النصاب أو تجاوزها، فقد وجبت الزكاة. أمّا إذا انخفض عن النصاب، فلا زكاة فيه.
وهذه الخطوة هي الفاصل الشرعي الذي يُحدد هل أصبح المال خاضعًا للزكاة أم لا.
الخطوة الرابعة: حساب نسبة الزكاة (2.5%)
وهي النسبة الشرعية الثابتة لزكاة الأموال النقدية، والاستثمارات، والأصول غير العينية. ويُحسب مقدار الزكاة وفق المعادلة التالية: قيمة الزكاة = صافي المال × 2.5% وبذلك يحصل المسلم على الرقم النهائي المطلوب إخراجه، دون تعقيد أو الحاجة إلى معادلات معقدة.
كيف يمكنني حساب زكاة المال في رمضان؟
يُقبل المسلمون في رمضان على إخراج زكاة أموالهم أكثر من أي وقت آخر، ليس فقط لأن الشهر يرتبط بمضاعفة الأجور، بل لأنه يمثل محطة سنوية لمراجعة النفس والمال. ورغم أن الزكاة واجبة عند مرور الحول -ليس شرطًا في رمضان تحديدًا- إلا أنّ تخصيص شهر رمضان ليكون موعدًا ثابتًا لإخراج الزكاة أصبح عادة حسنة لدى ملايين المسلمين حول العالم، لما فيه من تنظيم وأجر مضاعف.
وحساب زكاة المال في رمضان يتم بنفس الخطوات الشرعية التي تتبع في أي وقت من العام، وهي جمع الأموال، ثم خصم الديون، ومقارنة المال بالنصاب، ثم إخراج نسبة 2.5%. غير أن رمضان يضيف إلى العملية بُعدًا إيمانيًا يجعل المؤمن أكثر حرصًا وتيقظًا، وأقرب إلى إشعار الفقراء بحقوقهم التي فرضها الله في أموال الأغنياء.
إضافةً إلى ذلك، يتيح إخراج الزكاة في رمضان فرصة تعجيل الزكاة، وهو أمر جائز شرعًا إذا دعت إليه الحاجة أو أراد المسلم اغتنام أجر الشهر الفضيل. ويُسجَّل المبلغ المقدم باعتباره زكاة العام القادم، شريطة أن يحتفظ الشخص بسجلات واضحة حتى لا يختلط عليه حساب الحول.
رمضان ليس موسمًا للعطاء فقط، بل هو مدرسة لضبط النفس وترتيب المسؤوليات، والزكاة في هذا السياق تمثل ذروة هذا الالتزام. فحين يجمع الإنسان ماله في هذا الشهر المبارك، ويُخرج حقّ الفقراء منه، فإنه لا يطهّر ماله وحسب، بل يطهّر قلبه ونفسه، ويعيد وصل أواصر الرحمة بينه وبين المحتاجين، ويقدّمُ الخيرَ ابتغاءَ الأجر، امتثالًا لقوله تعالى: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ﴾.
حساب زكاة المال على العقارات
تُعدّ العقارات من أكثر الأصول التي يلتبس على الناس حكم زكاتها، نظرًا لتنوع أشكال تملكها واستخدامها. وقد وضع الفقه الإسلامي ضوابط دقيقة تحدد متى يكون العقار مالًا ناميًا تجب فيه الزكاة، ومتى يكون حيازة ثابتة لا تدخل في وعاء الزكاة. والقاعدة الأساسية أن الزكاة لا تُفرض على العين ذاتها إلا إذا كانت مُعدّة للتجارة؛ أما ما يُستخدم للسكن أو للانتفاع فلا زكاة في قيمته.
أولًا: العقار المُعدّ للبيع أو الاستثمار التجاري (عُروض التجارة)
إذا امتلك شخص عقارًا بغرض إعادة بيعه لتحقيق ربح -سواء كان أرضًا أو شقة أو مبنى تجاريًا- فإنه يعدّ من عروض التجارة. وفي هذه الحالة تُزكّى القيمة السوقية للعقار يوم إخراج الزكاة، مهما اختلفت قيمة الشراء.
فالعبرة بالمقصد: ما دام الهدف من امتلاك العقار هو نموّ المال عبر البيع، فهو مال تجاري تُطبق عليه نسبة 2.5% من قيمته الحالية.
ثانيًا: العقار المؤجّر (الإيجار بغرض الدخل)
العقار المؤجر يختلف حكمه؛ فلا زكاة على قيمة العقار نفسه لأنه غير مخصّص للبيع، بل هو أصل ثابت. لكن الزكاة تجب على دخل الإيجار إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول.
فمثلًا، إذا بلغت إيرادات الإيجار السنوية 12,000 دولار وتجاوزت النصاب، فإن الزكاة تجب على هذا الدخل وليس على قيمة العقار، وتُحسب بنسبة 2.5%.
وهذا الحكم ينسجم مع منطق الشريعة الذي لا يفرض الزكاة على ما لا يقصد به النمو المباشر، وإنما على ما يتحقق منه ربح فعلي.
ثالثًا: العقار المستخدم للسكن الشخصي
البيوت التي يسكنها الشخص، أو المنازل التي يملكها لأولاده للسكن، لا زكاة عليها مطلقًا. فالشرع لا يفرض الزكاة على الأصول الضرورية للحياة، بل على الفائض الذي يعود بالنماء والربح. لذلك لا تدخل المنازل الخاصة في حساب الزكاة، مهما بلغت قيمتها.
رابعًا: العقارات المستخدمة للأعمال (مكاتب، محال، مخازن)
لا زكاة على قيمة المبنى نفسه، لأنه ليس مالًا متداولًا، بل أداة عمل. وإنما تجب الزكاة على الأرباح الصافية الناتجة من النشاط التجاري داخل العقار، وليس على العقار نفسه.
وبهذا التفصيل يتضح أن العقارات لا تُعامل معاملة واحدة، بل تختلف زكاتها بحسب نية المالك ونوع الاستخدام. وهذا التوازن الدقيق يعكس حكمة التشريع الإسلامي الذي يسعى إلى تحقيق العدالة دون إرهاق المكلفين.
إخراج الزكاة ليس مجرد عملية مالية تُنهي بها التزامك الشرعي، بل هو عبادة قلبية تتطلب نية خالصة وتحرّي الدقة في إيصال المال إلى من يستحقه بالفعل. وقد اهتم الفقه الإسلامي بتحديد الطرق الصحيحة لإخراج الزكاة، بما يضمن تأدية الفريضة كما أراد الله تعالى، ويحقق أثرها الإنساني والاجتماعي.
يمكنك من خلال تدوينتنا هذه الإطلاع على كافة التفاصيل
زكاة الأسهم والعملات الرقمية: كيف تُحسب زكاة الأصول الحديثة؟
مع توسّع أدوات الاستثمار الحديثة واتجاه الكثير من الناس إلى تنمية أموالهم عبر الأسهم أو العملات الرقمية، ظهرت الحاجة إلى فهم كيفية إخراج الزكاة على هذه الأنواع من الأصول التي لم تكن موجودة قديمًا، لكنها تدخل اليوم بوضوح ضمن الأموال النامية التي تجب فيها الزكاة. وعلى الرغم من اختلاف طبيعة كل منهما، إلا أن القاعدة الشرعية الحاكمة واحدة: كل مال قابل للنماء ويبلغ النصاب ويحول عليه الحول، تجب فيه الزكاة بنسبة 2.5%.
أولًا: زكاة الأسهم
تختلف طريقة حساب زكاة الأسهم بحسب نية المستثمر وطريقة استخدامه لها:
فإن كانت الأسهم بغرض البيع والشراء السريع (المضاربة)، فإنها تُعامل معاملة عروض التجارة، وتُزكّى القيمة السوقية للأسهم كاملة في يوم إخراج الزكاة، مع إضافة الأرباح المتراكمة.
أما إذا كانت الأسهم للاستثمار طويل المدى، فإن الحكم يختلف بحسب نشاط الشركة:
وهذه التفاصيل تمنح المسلم مرونةً في احتساب زكاته بطريقة تتناسب مع طبيعة استثماره دون الإخلال بالضابط الشرعي.
ثانيًا: زكاة العملات الرقمية
أما العملات الرقمية -كالبيتكوين والإيثيريوم وغيرها- فقد أصبحت اليوم من أكثر الأصول انتشارًا بين الشباب والمستثمرين، وقد أفتى العلماء المعاصرون بوجوب الزكاة فيها لأنها تُعدّ مالًا معتبرًا يُخزَّن، ويُباع، ويُشترى، ويمكن أن يدرّ أرباحًا.
ولذلك تُزكّى العملات الرقمية بقيمتها السوقية يوم إخراج الزكاة، دون النظر إلى سعر الشراء، فالعبرة بالقيمة الحالية تمامًا كما هو الحال في عروض التجارة. فإذا احتفظ الشخص بمحفظة رقمية لمدة عام، وبلغت قيمتها النصاب، وجب عليه إخراج 2.5% من قيمتها الإجمالية بعد خصم الديون المستحقة.
لماذا تُزكّى هذه الأصول؟
الأسهم والعملات الرقمية تشترك في خاصية أساسية: القدرة على النماء، أي أنها ليست مجرد مال راكد، بل أدوات لتحقيق الربح وزيادة الثروة. ولهذا تدخل ضمن الأموال التي تجب فيها الزكاة، انسجامًا مع المقصد الشرعي الذي يربط الزكاة بالنماء والزيادة لا بالجمود والاستهلاك. وبهذا الفهم المتكامل، يصبح حساب زكاة هذه الأصول الحديثة واضحًا ومنضبطًا، ويستطيع المستثمر المسلم أداء حق الله في ماله بسهولة واطمئنان.
كيفية إخراج الزكاة: الطرق الشرعية وصور الإيصال إلى مستحقيها
إخراج الزكاة ليس عملية مالية تُنهي بها التزامك الشرعي، بل هو عبادة تتطلب نية خالصة وتحرّي الدقة في إيصال المال إلى من يستحقه بالفعل. وقد اهتم الفقه الإسلامي بتحديد الطرق الصحيحة لإخراج الزكاة، بما يضمن تأدية الفريضة كما أراد الله تعالى، ويحقق أثرها الإنساني والاجتماعي.
أولًا: إخراج الزكاة نقدًا
هذه هي الطريقة الأكثر شيوعًا، وفيها تُدفع الزكاة مباشرةً للفقراء أو المستحقين، أو تُسلّم للجهات الموثوقة التي تتولى توزيعها نيابةً عن المتبرع. ويتميّز الدفع النقدي بأنه يُتيح للمستفيد حرية تلبية احتياجاته الأساسية، سواء كانت غذاء أو دواء أو سداد ديون.
ثانيًا: إخراج الزكاة عينيًا من عروض التجارة
إذا كانت الزكاة على سلع تجارية (مثل الملابس أو الطعام أو المنتجات المخزّنة)، فيجوز إخراج الزكاة من نفس نوع السلعة، بشرط أن تساوي قيمتها مقدار الزكاة الواجب إخراجه. وقد فعله بعض الصحابة، وهو جائز ما دام يحقق مصلحة المستفيد.
ثالثًا: توكيل جهة موثوقة لإخراج الزكاة
أصبح هذا الخيار هو الأكثر أمانًا وانتشارًا في عصرنا، خاصةً لمن يعيشون في مدن ضخمة أو خارج أوطانهم. فالمنظمات الإنسانية مثل هيومان أبيل تمتلك الخبرة والآليات اللازمة للوصول إلى الفئات المستضعفة التي نصّ عليها القرآن الكريم، مثل الفقراء والمساكين والغارمين. وتكمن أهمية التوكيل في أنه يضمن:
رابعًا: إخراج الزكاة في صورة مشاريع تنموية
يجوز للمؤسسات الخيرية أن تستخدم أموال الزكاة في مشاريع مستدامة مثل توفير مصادر رزق، أو علاج المرضى العاجزين، أو ترميم المنازل للأسر الفقيرة، أو حفر الآبار في المناطق النائية، بشرط أن يدخل المشروع ضمن مصارف الزكاة الشرعية، وأن يكون المستفيد من الفئات الثمانية.
الأشخاص الذين تجب عليهم الزكاة: من هم المكلَّفون بأداء هذا الحق الشرعي؟
الزكاة فريضة لا تتعلّق بمستوى الرفاهية أو حجم الدخل الشهري، بل تقوم على معايير شرعية واضحة، أهمها امتلاك النصاب ومرور الحول. ولذلك قد يكون الشخص موظفًا براتب محدود لكنه يمتلك مدخرات بلغت النصاب، فتجب عليه الزكاة، بينما قد يكون آخر ذا راتب كبير لكنه يستهلك معظم دخله أو يغرق في الديون، فلا تجب عليه.
وتجب الزكاة على كل من تحققت فيه الشروط الآتية:
أولًا: الإسلام
الزكاة ركن من أركان الإسلام، ولا تُفرض إلا على المسلم.
ثانيًا: ملك النصاب ملكًا تامًا
يشترط أن يكون المال الذي بلغ النصاب ملكًا خالصًا لصاحبه، قادرًا على التصرف فيه دون عوائق.
فلا تُجب الزكاة في الأموال الممنوعة من التصرف، أو الأموال التي لا يملك الشخص حق التصرف بها قانونيًا أو واقعيًا.
وهذا الحكم ينسجم مع منطق الشريعة الذي لا يفرض الزكاة على ما لا يقصد به النمو المباشر، وإنما على ما يتحقق منه ربح فعلي.
ثالثًا: مرور الحول (عام هجري كامل)
وهذا الشرط يتعلق بالمال الذي يحتفظ به المسلم بغرض الادخار أو الاستثمار.
أما الأموال التجارية -مثل السلع أو الأسهم المخصصة للتجارة- فتُقوّم في نهاية الحول ولو لم يمضِ عليها عام كامل لأنها تدخل ضمن عروض التجارة.
رابعًا: خلوّ المال من الديون المُستغرِقة له
إذا كان الدين المستحق سداده خلال العام يساوي قيمة المال أو يغلب عليها، سقطت الزكاة، لأن الشخص لا يملك مالًا زائدًا عن حاجته الأصلية.
ولكن يُحسب الدين المستحق للسداد خلال الحول فقط، لا الديون طويلة الأمد بأكملها.
خامسًا: البلوغ والعقل ليسا شرطًا لوجوب الزكاة في المال
وهي نقطة فقهية مهمة يغفل عنها الكثير.
فالزكاة واجبة في مال الطفل والقاصر والمجنون إذا كان لديهم أموال تبلغ النصاب.
ويُخرجها عنهم الولي، لأن الزكاة حقّ للفقراء وليست عبادة بدنية تتطلب التكليف الفردي.
لماذا هذه الشروط؟
الهدف من هذه المعايير هو ضمان أن الزكاة لا تُفرض إلا على من لديه قدرة فعلية على العطاء دون أن يُرهَق أو يتضرر. فالشريعة تحرص على التوازن بين حق الفقير في مال الغني، وحق الغني في ألا يُحمَّل فوق طاقته.
فالزكاة ليست ضريبة تُفرض على الجميع، بل فريضة على من وسّع الله عليهم، رحمةً بمن ضاقت بهم سبل الحياة.