12 ديسمبر 2025
ومثل ذلك ما ثبت في حق الجنب الذي أدركه الفجر وهو على غير غسل، ومع ذلك صومه صحيح إذا نوى الصيام وطهر بعدها.
وهكذا يُعامل الحيض في هذا الموضع، لأن العبرة بانقطاع الدم قبل الفجر، لا بوقت الاغتسال.
لذلك، لا ينبغي للمرأة أن تشعر بالتردد أو القلق في هذه المسألة؛ فصيامها تام، وعبادتها مقبولة بإذن الله، ما دامت قد نوت الصيام بعد تحقق الطهر.
هل يجوز الصيام مع نزول دم خفيف أثناء الدورة؟
الحكم في هذه المسألة يعتمد على طبيعة الدم، وليس على كميته.
فإذا كان الدم الخفيف الذي نزل هو من دم الحيض المعتاد من حيث اللون أو الرائحة أو وقت النزول، فإن الصيام لا يصح، لأن وجود أي قدر من دم الحيض — قليلًا كان أو كثيرًا — يعني أن المرأة ما زالت في حكم الحيض.
أما إذا كان الدم نزيفًا خفيفًا أو استحاضة، أي دمًا غير منتظم أو خارج أيام الحيض المعروفة للمرأة، فإنها تُعامل معاملة المرأة الطاهرة، ويجوز لها الصيام والصلاة دون توقف. وقد بيّن النبي ﷺ ذلك حين قال لفاطمة بنت أبي حُبيش: «إنما ذلك عِرق، وليس بالحيضة» (متفق عليه).
وحتى تميز المرأة بين الحيض والاستحاضة، تعتمد على:
الخلاصة:
إذا كان الدم جزءًا من الحيض → لا يصح الصوم.
وإذا كان استحاضة → الصوم صحيح.
هل إذا انتهت المرأة الحائض من الحيض قبل الفجر يصح لها الصيام؟
نعم، يصح صيام المرأة إذا انقطع دم الحيض قبل الفجر، ولو بلحظة واحدة، ما دامت قد نوت الصيام في ذلك الوقت. فالعبرة في الحكم بانقطاع الدم ودخول زمن الطهر، وليس بكونها اغتسلت قبل الأذان أو بعده.
فإذا رأت المرأة علامة الطهر — الجفاف التام أو القَصّة البيضاء — قبل الفجر، فهي في حكم الطاهرات، ويجب عليها الإمساك وصيام هذا اليوم. ويمكنها الاغتسال بعد الأذان بوقتٍ يسير دون أن يؤثر ذلك على صحة صيامها؛ لأن الغسل شرطٌ للصلاة، لا للصيام.
أما إن استمر الدم أو رأت شيئًا من آثار الحيض بعد الفجر، فلا يصح صومها في هذا اليوم، وتؤجله إلى يوم آخر بعد رمضان.
هذا الحكم من تمام اليسر الذي قال الله فيه:
﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ﴾،
وهو يرفع عن المرأة القلق والاضطراب في لحظات ما قبل الأذان، ويجعل الأمر واضحًا ومطمئنًا.
هل يجوز الصيام إذا طالت مدة الحيض؟
ما دام الدم الذي ينزل هو دم حيضٍ حقيقي بصفاته وخصائصه المعتادة عند المرأة. فالعبرة في الحكم ليست بطول المدة أو قصرها، بل بوجود دم الحيض نفسه.
فإذا استمر الدم طبيعيًا ضمن صفاته المعروفة — ولو تجاوز الأيام المعتادة — فإن المرأة تبقى في حكم الحيض، ولا يصح لها الصوم حتى ترى علامة الطهر. فالشريعة تربط الحكم بالطهارة التامة، وليس بعدد الأيام.
أما إذا طال نزول الدم بشكل غير معتاد، وتغيرت صفاته، أو تجاوز المدة التي لا يكون فيها الحيض غالبًا، فقد يكون الدم استحاضة، وهي نزيف لا يمنع الصيام ولا الصلاة. وفي هذه الحالة، تُعامل المرأة معاملة الطاهرة، تمسك وتصوم وتصلّي دون توقف، لقول النبي ﷺ:
«إنما ذلك عِرق، وليس بالحيضة».
الخلاصة:
استمرار الحيض بصفاته → لا صيام حتى ينقطع.
تحوّله إلى استحاضة → يصِحّ الصيام دون حرج.
وهذا الحكم يراعي اختلاف أجساد النساء، ويُعيد الطمأنينة إلى المرأة عندما تتغير عادتها الشهرية فجأة.
جدول العبادات اليومية للحائض في رمضان
أيام الحيض لا تُلغِي حضور المرأة في رمضان، بل تمنحها مساحة مختلفة للعبادة، تركز فيها على صفاء القلب ودوام الذكر. ولهذا يمكن للحائض أن تتّبع جدولًا روحانيًا بسيطًا، يساعدها على الحفاظ على علاقتها بالله حتى في الأيام التي لا تصوم فيها ولا تصلّي.
▪ بعد الفجر
▪ عند الظهر
▪ عند العصر
الإكثار من الاستغفار: «أستغفر الله العظيم وأتوب إليه».
الدعاء للمستضعفين حول العالم، ولمن تحب، وللنفس والهداية والثبات.
▪ بعد المغرب
▪ قبل النوم
بهذا الجدول البسيط، لا تشعر المرأة بأنها بعيدة عن ثواب رمضان، بل تستمرّ في طريق العبادة بروح خفيفة وقربٍ صادق.
أذكار الحائض في رمضان
الذكر هو الباب الذي لا يُغلق أبدًا، وهو العبادة التي تُمنح للحائض كاملة بلا قيد ولا شرط. بل قد يكون الذكر في أيام الحيض أكثر حضورًا وصفاءً، لأن القلب يكون في حالة بحث عن القرب لتعويض ما فاتها من صيام وصلاة.
وقد جعل الله الذكر مفتوحًا للجميع، فقال سبحانه:
﴿ فَاذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴾،
وفي آية أخرى:
﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾.
ومن أعظم الأذكار التي يمكن للحائض الإكثار منها في رمضان:
كما يمكنها ترديد الأذكار المأثورة في الصباح والمساء، والاستماع للأوراد القرآنية، وتثبيت لسانها على التسبيح طوال اليوم.
فالذكر يُعيد روحانية رمضان إلى قلبها، ويمنحها أجرًا مستمرًا حتى دون أداء الصلوات الخمس.
إن الحائض في رمضان لا تُحرم من الذكر، بل تُمنح فرصة لتهذيب القلب وتليينه، ليكون أرقّ وأقرب إلى الله حين تعود لطهارتها من جديد.