17.10.2024
النذر من العبادات القديمة قدم الإنسان والأديان. فقد نذرَت امرأة عمران مولودها للعبادة في بيت المقدس، فلما وضعتها أنثى، سمّتها مريم، وأوفت بالنذر وسلكتها في العبادة هناك. والنذر لغةً الإيجاب، بمعنى أن الإنسان يُوجِب على نفسه فعل شيء هو في الأصل ليس واجبًا عليه.
ما هو النذر في الإسلام؟
النذر في الإسلام هو التعهد بأداء طاعات وقربات لم يفرضها الله على عبده، ولكنها جائزة شرعًا. وبالتالي فلا يُقال إن إنسانًا ما نذر صيامَ رمضان؛ فهذا فرضٌ على كل مسلم، وإنما يمكن أن ينذر صيامَ الاثنين والخميس من كل أسبوع طوال حياته طالما كان ذلك في استطاعته، ففي هذه الحال يُسمّى هذا نذرًا، أو أن ينذر إن حدث له كذا وكذا أن يتصدّق بصدقةٍ ما أو أن يذبح قربانًا لله.
أحكام النذر: الشروط والآثار الشرعية
للنذر شروط وأحكام، يتعيَّن على مَن يريد النذر أن يعرفها ابتداءً. فلا يمكن أن ينذر المرء شيئًا واجبًا عليه، مثل فرائض الصلاة أو الصوم أو الحج؛ ولكن قد ينذر التطوع بالنوافل منها. كذلك لا يجوز النذر بفعل معصية لله تعالى، فهذا عليه كفارة يمين وليس عليه أن يفيَ به. ومن أحكام النذر أيضًا ألّا ينذر المرء المستحيل أو أن ينذر شيئًا دون تحديد ماهية النذر، وفي هذا كفارة اليمين أيضًا. أما إذا نذر المباح أو الغضب، كاللبس وأكل أشياء مباحة، فله الخيار أن يفعل أو يترك مع الكفارة.
هل يمكن التراجع عن النذر؟
إذا كان النذر في معصية أو أمرٍ قد يُغضب الله، فالواجب الرجوع عنه؛ لقول النبيّ في ذلك، كما سنُورد لاحقًا. أما إن كان النذر في أمرٍ شاقّ وعسير لا يُطيقه المرء، فيمكنه الرجوع عنه، وعليه كفّارة مثل كفّارة اليمين؛ وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بهذا كما سنذكر أيضًا في النهاية.
النذر وسيلةً للتعبير عن الإيمان والالتزام
يرى بعض العلماء أن النذر -المتحقّق بالشروط الشرعية للنذر- ما هو إلا تعبيرٌ عن محبة الإنسان لله ومعرفته إياه؛ فإن المسلم إذا عرف الله حقيقةً نذر له حياته كلَّها، وهو محاولة من الإنسان لالتزام الطاعات والتقيّد بها؛ فعند تفسير الآية ٢٧٠ من سورة البقرة {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ }، عرَّف أبو الثناء الآلوسي النذرَ فقال:"النذرُ عَقْدُ القَلْبِ عَلى شَيْءٍ والتِزامُهُ عَلى وجْهٍ مَخْصُوصٍ، قِيلَ: وأصْلُهُ الخَوْفُ لِأنَّ الشَّخْصَ يَعْقِدُ ذَلِكَ عَلى نَفْسِهِ خَوْفَ التَّقْصِيرِ". وقد أثنى الله على المُوفِين بالنذر وعدَّهم من الأبرار الموعودين بالجنّة، حين قال الله -تعالى- في الآية السابعة من سورة الإنسان: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا}.
الفرق بين النذر واليمين في الشريعة
على الرغم من أن النذر إذا تراجع المرءُ عنه، في ظروف محدّدة، يكفّر عن ذلك بكفارة اليمين، يظلّ هناك فرق بين النذور والأيمان. فالأيمان قد تنعقد على غير المباحات، وعلى المرء الرجوع عنها حينئذ، أما النذور فليست إلا في المباحات وحدها. غير أن كفارة الرجوع عن الاثنين (اليمين أو النذر المستحيل أو نذر المعصية) واحدة، وهي المعروفة بتفصيلها في باب كفارة الأيمان.
أما اليمين والحلف بفعل شيء مباح أو مستطاع، فيمكن للمرء القيام به أو الرجوع عنه مع الكفارة؛ أما النذر المستطاع فلا رجوع عنه ولا تُجزي عنه الكفارة، بل يجب الوفاء به. فإن العهدَ/النذر شديدٌ كما قال العلماء، مستدلّين بقول الله تعالى في الآية ٣٤ من سورة الإسراء: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا}.
النذر والنية: ما الذي يجب أن تعرفه؟
لا يكفي في النذر انعقاد النية في القلب؛ فقد أوجب الفقهاء لصحة النذر أن يصدر لفظًا من الناذر، ورأوا أن هذا التلفّظ هو ما يغيّر من حال الندب أو الإباحة إلى الإيجاب. فعلى الرغم من أن الفقهاء اختلفوا في صيغة اللفظ، وهل يكون نذرًا إن خلا التلفّظ من كلمة "نذر"، كأن يقول المرء "لله عليَّ كذا" دون أن يتلفّظ بكلمة "نذر"، لكنهم اتفقوا على وجوب التلفّظ بالكلام أو كتابته، دون الاكتفاء بمحض النية، واستدلّوا على هذا بالمنقول والمعقول مما لا يتسع المجال لتفصيله.
آيات وأحاديث نبوية حول النذر