ما المقصود بالمشاريع المستدامة في العمل الخيري؟
في جوهر العمل الخيري الإنساني، هناك فكرة سامية تتجاوز المساعدات والإغاثات الضرورية المؤقتة، وهي فكرة الاستدامة. أي أن يمتد أثر العطاء ليُغيّر من حياة الأفراد والمجتمعات على المدى الطويل، وأن يتحوّل الدعم من إعانة قصيرة الأجل إلى مصدر دائم للتغيير والتمكين.
المشاريع المستدامة في العمل الخيري هي المبادرات التي لا تكتفي بتقديم المساعدة، بل تزرع بذور الاكتفاء الذاتي داخل المجتمعات، فتمنح الإنسان أدوات العيش الكريم بدلًا من الاكتفاء بإعانته على البقاء.
وهذه الرؤية تعكس عمق مفهوم العمل الخيري في الإسلام، الذي لم يُحصر في الإنفاق على الفقراء فحسب، بل في بناء الإنسان وتمكينه. فالعمل الخيري في الإسلام ليس رد فعلٍ على أزمة، بل هو نظام حياة يسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية والتوازن. والمشاريع المستدامة تجسيدٌ عملي لهذا النظام، إذ تحوّل التبرع إلى أداة تنميةٍ شاملة تمتد ثمارها لأجيالٍ قادمة.
لماذا تعتبر المشاريع المستدامة ضرورية في العمل الإنساني؟
في عالمٍ يزداد اضطرابًا بفعل النزاعات المتفاقمة والتغير المناخي المتسارع والأزمات الاقتصادية الطاحنة، أصبح واضحًا أن العمل الخيري التقليدي وحده لا يكفي. فالمساعدات العاجلة تُنقذ الأرواح، لكنها لا تضمنُ استمرارية الحياة بكرامة.
أما المشاريع المستدامة، فهي التي تُحدث التحوّل الحقيقي: إذ تبني القدرات، وتوفّر فرص العمل، وتعيد تشكيل بنية المجتمع من الداخل.
المنظمات الإنسانية التي تعتمد هذا النهج – مثل هيومان أبيل – لا تكتفي بتوزيع الطعام أو الدواء، بل تسعى لتأسيس أنظمة إنتاجٍ وخدماتٍ محلية قادرة على الصمود في وجه المتغيّرات العنيفة.
ففي اليمن مثلًا، دعم المزارعين بزراعة أشجار البن والزيتون لم يوفّر دخلًا للأسر فقط، بل أعاد إحياء مهنٍ تراثية وأدخل موارد جديدة إلى الاقتصاد المحلي. وفي باكستان، مكنت مشاريع تربية الدواجن مئات النساء من كسب رزقٍ مستمر يعيل أسرهنّ.
يقول النبي ﷺ:
« خير الناس أنفعهم للناس» (رواه الطبراني)،
وما من نفعٍ أعظم من مشروعٍ يُخرج الإنسان من دائرة الحاجة إلى دوائر الإنتاج والاكتفاء والكرامة.
العمل الإنساني المستدام إذًا ليس ترفًا، بل ضرورة لتقليل الاعتماد على المساعدات الطارئة وبناء مجتمعاتٍ قادرةٍ على مواجهة الأزمات.
دور هيومان أبيل في تنفيذ مشاريع تنموية مستدامة
منذ تأسيسها عام 1991، أدركت هيومان أبيل أن التنمية ليست نقيضًا للإغاثة، بل امتداد طبيعي لها. فبعد كل أزمة، تبدأ مرحلة إعادة البناء، وهنا يتجلّى دور المشاريع المستدامة التي تُعيد رسم ملامح الحياة.
في قطاع سُبل العيش:
أطلقت هيومان أبيل مشاريع صغيرة ومتوسطة لتوفير فرص العمل للأسر المحتاجة، مثل دعم الأسر الفقيرة في اليمن بزراعة أشجار الزيتون والبن، وتمويل مشروعات إنتاجية في السودان وبنغلاديش، وتدريب النساء على الحِرف اليدوية والخياطة، مما مكّنهن من تحقيق استقلالٍ اقتصادي داخل مجتمعاتهن.
في قطاع التعليم:
ساهمت المؤسسة في إنشاء وترميم المدارس في شمال غرب سوريا، ما أعاد آلاف الأطفال إلى مقاعد الدراسة بعد سنوات من الانقطاع. وهذه المدارس لم تكن مجرد فصولٍ دراسية، بل بيئات آمنة للعلم والدعم النفسي والاجتماعي.
في قطاع المياه:
أنشأت هيومان أبيل مئات الآبار ومحطات تحلية المياه في إفريقيا وغزة واليمن، لتأمين مياه نظيفة للمجتمعات على مدار العام، في خطوةٍ حيوية للوقاية من الأمراض وتحسين جودة الحياة.
في قطاع الصحة:
من خلال دعم المستشفيات والمراكز الطبية وتوفير الطاقة الشمسية لتشغيلها، ساعدت مشاريعها في تقديم خدماتٍ مجانية لعشرات الآلاف من المرضى، مع ضمان استمرارية هذه الخدمات بشكلٍ مستدام.
بهذه المشاريع، أثبتت هيومان أبيل أن العمل الخيري التطوعي يمكن أن يتحول إلى منظومةٍ تنموية متكاملة، تعالج جذور الفقر لا أعراضه فقط.
كيف تساهم المشاريع المستدامة في بناء مستقبلٍ أفضل؟
الاستدامة ليست مصطلحٍ اقتصادي أو بيئي فحسب، بل رؤية إنسانية تُعيد تعريف معنى العطاء. فحين نمنحُ إنسانًا وسيلة إنتاجٍ بدلاً من إعانته لمرةٍ واحدة، نكون قد حررناه من قيود الفقر. وحين نبني مدرسة أو نزرع شجرة أو نحفر بئرًا، فإننا نزرعُ أملًا يثمرُ حياةً مستقرة لعقود.
كما أنّ المشاريع المستدامة تُعيد صياغة العلاقة بين العطاء والنتيجة، فهي لا تتوقف عند لحظة التبرع، بل تبدأ منها. فكل مشروعٍ من هذا النوع يخلق دورة خيرٍ جديدة، إذ يعلّم المستفيدين كيف ينقلون الفائدة إلى غيرهم. فالمزارع الذي تلقى تدريبًا اليوم، سيعلّم جيرانه غدًا، والطفل الذي تعلّم في مدرسةٍ بناها المتبرعون سيصبح طبيبًا أو معلّمًا يخدم مجتمعه لاحقًا.
يقول الله تعالى:
﴿ مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ (البقرة: 261)
وهو تصوير بديع يعبّر عن فكرة الاستدامة في أبهى صورها، فالعطاء الحقّ يُثمر مضاعفًا، ويُخلّد أثره في الزمن والمكان. ومن خلال دعم المشاريع المستدامة، يشارك المتبرعون في بناء مستقبلٍ آمنٍ وعادلٍ، حيث يتحول المحتاج إلى قادر، والمجتمع من متلقٍ إلى منتجٍ ومعيل. وهنا يتحقق جوهر التنمية المستدامة كما أرادها الإسلام: تنميةٌ تحفظ كرامة الإنسان وتُعلي قيم العمل والإعمار.
الأسئلة الشائعة
ما الفرق بين المساعدات الطارئة والمشاريع المستدامة؟
المساعدات الطارئة تُنقذ الأرواح في لحظات الخطر، مثل تقديم الطعام أو المأوى بعد الزلازل أو الحروب، لكنها مؤقتة. أما المشاريع المستدامة، فتهدف إلى بناء حلولٍ طويلة الأمد مثل التعليم والزراعة والمياه، لتقليل الحاجة للمساعدات في المستقبل.
كيف يمكن للمتبرعين المساهمة في استدامة المشاريع الإنسانية؟
من خلال دعم الصدقات الجارية أو المشاريع الإنتاجية التي تدر دخلًا للمجتمعات، كتمويل بئرٍ أو مدرسةٍ أو مشروعٍ زراعي. كما يمكن للمتبرعين المساهمة بالتبرع المنتظم الذي يضمنُ استمرارَ التمويل للمشاريع التنموية.
ما أبرز مشاريع هيومان أبيل المستدامة؟
في الختام، يمكن القول إن العمل الخيري المستدام هو أرقى صور الصدقة، لأنه يجمع بين الإغاثة والتنمية، وبين الرحمة والحكمة.
كما أنهُ استثمارٌ في الإنسان ومستقبل الأمة.